تتقاذف الساحة الفلسطينية العديد من الملفات والأزمات الداخلية، في ظل تصاعد الخلافات الداخلية وبروز المزيد من الانشقاقات على صعيد البيئة السياسية الداخلية، وغموض الأفق السياسي لعملية التسوية وانجراف البيئة الإقليمية بالمزيد من الأزمات المرتبطة بمسار القضية، تزامنًا مع فوز المرشح العنصري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
الخبير الاستراتيجي وكبير باحثي قناة الجزيرة القطرية بشير نافعة، يقرأ مع صحيفة الرسالة، مستجدات الواقع السياسي الفلسطيني، وافق المشهد السياسي على ضوء الحديث عن انفراجة في العلاقة بين غزة ومصر، وتعقيدات العلاقة بين الحركة الوطنية المقاومة وأطراف المنطقة.
الانشقاق الفتحاوي
على صعيد الشأن الداخلي، يؤكد الخبير الاستراتيجي، أن الدعم الاماراتي والمصري والأردني للقيادي المفصول من فتح محمد دحلان، يشكل خطورة على رئيس السلطة محمود عباس، مرجحًا بأن دحلان لا يرغب ان يكون رئيسًا في الوقت الراهن لعمله بصعوبة تحقيق ذلك، ولكنه "ربما يريد أن يكون صانعًا للرئيس وصاحب التأثير الأكبر عليه".
وقال نافع، أن فريق دحلان يرغب بإجراء انتخابات وأن يلعب الرجل دورًا سياسيا كأن يكون رئيسا للبرلمان وفق ما يشاع في فريقه، مستبعدًا في الوقت ذاته فرضية أن يترشح ناصر القدوة للرئاسة كما يشاع عبر وسائل الاعلام.
وأشار إلى أن مثل هذه الانشقاقات ليست جديدة على الحركة، مشككًا في الوقت ذاته إمكانية أن يعقد خصوم عباس مؤتمرًا خاصًا بهم، وفي حال نجحوا فعل ذلك، فمن الصعوبة ان يسيطروا على مقاليد الحركة.
ويرجع ذلك لاصطفاف الأطراف الإقليمية مع الشرعية والمتمثلة بشكل أو بآخر في أبو مازن، إضافة الى عدم رغبة الأطراف العربية إضعاف حركة فتح وبالتالي أن يؤدي ذلك لتقوية موقف حماس.
القاهرة قدمت وعودا "ثقيلة الوزن" لحماس قبل عام
وقال: "بشكل عام الأنظمة العربية لا تريد إضعاف فتح، وإحداث المزيد من الانشقاقات فيها ما يؤدي الى انهيارها"، مشيرا الى أن حالة الدعم العربي لدحلان لا تزال مقتصرة في بعض الأنظمة كالإمارات ومصر والأردن، ولا يوجد مؤشر على وجود تأييد سعودي للرجل.
ونبه بأن السعودية لم ترحب من قبل بحضور دحلان للتعزية في الملك السابق عبد الله، معتبرا ذلك " أن السعودية غير مطمئنة لخيار دعم دحلان، ولا يوجد مؤشر على أن هذا الموقف قد تبدل أو تغير".
وأشار الى ان توتر العلاقات بين المملكة ومصر، قد "يضيف عامل آخر لإحجام السعودية عن تقديم دعم للرجل"، معتقدًا في الوقت ذاته أن الموقف العربي غير كاف لتنصيب دحلان رئيسًا.
ويلفت الى وجود غموض في الموقفين الأمريكي والإسرائيلي من تأييد دحلان، فربما يكون هناك طرف في إسرائيل مؤيدًا له، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تزال تمر في لحظة تغير داخلية، فيما أن الإدارة السابقة لم تكن مرحبة كثيرا بالرجل.
وعلى صعيد موقف عباس من الانشقاق الداخلي، فهو الآخر يتجه لاحتواء تفاقم الصراع داخل فتح خاصة في ظل اتساع نفوذ دحلان.
أمّا موقف حماس، فيرى نافع وجود شبه اجماع لدى الحركة، بعدم مساعدة دحلان للصعود على الرئاسة، مع العمل معه في مساحات المساعدات بما يخدم القطاع.
مصر وغزة
وتفسيرا لإجراءات القاهرة الأخيرة تجاه غزة، فأوضح أن مصر تحاول رفع أسهم دحلان من خلال تخفيف الحصار المفروض على غزة، والإجراءات التي اتخذت من قبيل عقد مؤتمري عين السخنة الأول والثاني بمشاركة سياسيين ورجال اعمال، إضافة لـرغبتها في استضافة مؤتمرات أخرى للرجل، سيما وأنه مدعوم بدرجة كبيرة من الامارات ويتلقى دعما هائلا منها.
يرى نافع، أن مصر لا تريد إسقاط الورقة الفلسطينية، خاصة في ظل تراجع الدور المصري في المنطقة، مشيرا إلى أن العديد من الأطراف لم تعد تشاور القاهرة في أزمات المنطقة حتى القريبة من امنها القومي كما الحال في ليبيا.
الأنظمة العربية لا ترغب بإضعاف حركة فتح
وبيّن أن إجراءات تخفيف الحصار، سبقها وعود قدمتها القاهرة لموسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، فيما عرف وقتها بـ "الوعود ثقيلة الوزن"، حول رفع الحصار وتحسين الظروف المعيشية في غزة.
وأضاف" أخبر المصريون يومها أن الظروف ستتحسن خلال أربعة أشهر، وأن الامر فقط يحتاج لتهيئة الرأي العام المصري لقبول المتغيرات في العلاقة مع غزة، غير أن هذا الأمر تأخر".
فوز ترامب
وفيما يتعلق بموقف الإدارة الامريكية الجديدة مع صعود المرشح المتطرف دونالد ترامب لسدة الرئاسة في أمريكا، فأوضح أن مجمل هذه الإدارة تعارض فكرة الدولة الفلسطينية وتعلن انحيازها الواضح لإسرائيل.
وأضاف " فوز ترامب خبر غير سار للحركة الوطنية برمتها، وكذلك للإسلام السياسي عمومًا او حركة حماس بشكل خاص، لما لديه من ثأر وتصور معادي لقوى الإسلام السياسي في المنطقة". وتابع " من الصعب الحكم على الإدارة الحالية قبل تشكيل بنية الإدارة بصورة كاملة".
عملية التسوية قد تحسمها الإدارة الامريكية الجديدة
وأوضح أن ما صرح به ترامب سيتحول بالضرورة الى سياسة معتمدة، مشيرا الى ان الأشهر الثلاثة القادمة كفيلة بتحديد معالم المرحلة برمتها سواء كان على صعيد الموقف الداخلي المحلي تحديدا فيما يتعلق بمؤتمر فتح، او على صعيد العلاقة مع مصر، أو حتى فيما يتعلق بترجمة مواقف الإدارة الامريكية الجديدة.
ويعتقد أن مستقبل عملية التسوية قد يفصلها الإدارة الامريكية الجديدة، خاصة في ظل غياب موقف من الأطراف الدولية الأخرى، مشيرا الى أن روسيا حاول استغلال فقدان التوازن في المنطقة عقب زيارة رئيس الوزراء الروسي للمنطقة، " لكن لم يظهر أي بوادر بشأن احراز تقدم في مجال التسوية".
العلاقات الإقليمية
اقليميًا، يرى الخبير الاستراتيجي، ان النظام الإقليمي الذي ولد في منطقة الشرق عقب الحرب العالمية الثانية، شارف على النهاية مع بداية الربيع العربي عام 2011م، مشيرا الى النظام لم يعد قابلا للاستمرار، في الوقت الذي لا توجه فيه قوة قادرة على إدارة نظام إقليمي جديد يستجيب لمصالح المنطقة.
وأوضح أن حركة حماس لا تزال في منتصف حالة الاستقطاب والصراع الإقليمي على مستقبل المنطقة.
وأضاف "مع مرور الوقت يبدو صعبًا ان تقف حماس الى جانب المعسكر الإيراني، لكن السعودية تبدو مترددة إلى حد كبير في التعامل مع الاخوان المسلمين ومن بينهم حركة حماس، فهي لا تطمئن كثيرا لها، رغم حاجتها للتيار الإسلامي في مواجهة التوسع الإيراني".
واستبعد أن يكون هناك انفراجة كبيرة في العلاقة بين السعودية وحماس، بمعزل عن عملية التطبيع التي جرت بين نظام الملك سليمان وحركة حماس.