"كالنار في الهشيم"، هكذا يمكن وصف البطالة المتفشية في صفوف شباب قطاع غزة، لاسيما بين خريجي الجامعات والكليات الأكاديمية الذين لم يحصلوا على فرص عمل، بينما تتزايد أعدادهم عاما بعد عام.
وتعتبر فلسطين الأعلى في المنطقة من حيث ارتفاع معدل بطالة الشباب، حيث بلغت 32.3% بواقع 22.5% في الضفة، 50.6% في غزة، بحسب نتائج المسح الذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وما يزيد الطين بلة، هو عدم وجود أي بصيص أمل لدى الشباب في ظل انسداد الأفق وتفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية، نتيجة استمرار الحصار المفروض على القطاع، إضافة إلى التصريحات "السلبية إلى حد ما" التي يدلي بها المسؤولون المختصون، مما يجعل الشباب والخريجين "كالقنبلة الموقوتة التي ربما تنفجر في أي وقت".
ومن ذلك ما صرّح به مأمون أبو شهلا وزير العمل في حكومة الحمد الله: إن حكومته غير قادرة على توفير أي فرصة عمل، كما أن القطاع الخاص أصبح بعد سنوات الحرب والحصار هشا وضعيفا وعاجزا عن توفير وظائف".
وأوضح أبو شهلا في تصريح سابق له، أن الدعم الذي كانت تقدمه المؤسسات الدولية تراجع خلال العام الحالي من مليار دولار كانت الحكومة تتوقعه إلى 300 مليون دولار فقط، وهو ما أثر على أدائها"، وفق قوله. وشدد على أن الحل الوحيد الذي يمكن أن تواجه به مشكلة البطالة هو إيجاد فرص لتشغيل الشباب وليس توظيفهم، مستدركاً: "إلا أن هذا الحل يحتاج إلى تمويل غزير ندعو المؤسسات المانحة إلى توفيره".
وفي هذا السياق، يحذر د. ماهر الطباع المحلل الاقتصادي، من استمرار تفشي البطالة بين الشباب على هذه المستويات، معتبراً ذلك "قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار في فلسطين"، مؤكداً في مقال له، على ضرورة وضع أرقام البطالة "الكارثية" على طاولة مجلس الوزراء، وأمام كافة المسؤولين وأصحاب القرار لوضع حد لتفشي البطالة في المجتمع الفلسطيني.
ويتفق المحلل الاقتصادي د. معين رجب مع سابقه، ومضى يقول: "نحن أمام أزمة بطالة عالية جداً بين أوساط الشباب، ولا يزال معدلها يرتفع، في ظل انسداد الأفق"، مشدداً على ضرورة تضافر كل الجهود من أجل حلها".
وطالب رجب خلال حديثه مع "الرسالة" بضرورة توفير الدعم المناسب للشباب، بهدف الحد منها على مدار السنوات المقبلة.
ولا بد من الإشارة إلى أن النظام التعليمي في فلسطين له علاقة كبيرة بأزمة البطالة، خاصة أنه يخرج أعدادا هائلة من الشباب في تخصصات معينة كل عام، وهو ما يكدّس الخريجين بذات التخصصات ويفاقم الأزمة، وهذا ما أشار إليه أبو شهلا.
وقال أبو شهلا: "النظام التعليمي في فلسطين "مشوه"، حيث تخرج الجامعات كل عام ما يقرب من 40 ألف خريج لسوق العمل الذي لا تتناسب احتياجاته مع التخصصات التي تطرحها هذه الجامعات. وبين أن 80% من خريجي الجامعات الفلسطينية هم خريجو "دراسات إنسانية"، وهي ليست من ضمن احتياجات سوق العمل، و3% فقط هم من يتوجهون إلى الدراسات المهنية، على عكس الدول الأوروبية التي يتجه شبابها إلى الدراسات المهنية بنسبة 50-60%.
ويعلّق الطباع على ذلك قائلاً "يجب العمل على تحسين جودة مخرجات التعليم الأكاديمي من خلال المتابعة والتقييم، وقياس مدى مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل"، مشدداً على ضرورة تدخل وزارة التربية والتعليم لإعادة النظر في مفاتيح القبول في التخصصات الجامعية، وذلك للحفاظ على كفاءة الخريجين، مطالباً بوقف منح تراخيص جديدة لتخصصات عديدة تعاني من البطالة المرتفعة.
وبالعودة إلى رجب، يؤكد أن حالة الانقسام بين شطري الوطن تلقي بظلالها السلبية على مسألة التوظيف في المؤسسات الحكومية، مشيراً إلى أن الوزارات في الضفة لا تتواصل مع غزة، موضحاً أن التوظيف في الضفة يسير كالمعتاد بخلاف ما يجري في غزة، لافتاً إلى أن القطاع العام لا يستطيع تلبية جميع رغبات الخريجين واحتياجاتهم.
وفي السياق، بيّن أن القطاع الخاص واسع ومجالاته مفتوحة، لكنه لا يلبي احتياجات الخريجين، لافتاً إلى أن العمل المؤقت "3 شهور" الذي تشرف عليه وزارة العمل، غير كافٍ لإكساب الخريج المهارات اللازمة لسوق العمل، مشيراً إلى أنه يحتاج إلى تمويل ودعم من جهات دولية.
يذكر أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 384,900 ألف شخص، منهم حوالي 166,900 ألفا في الضفة وحوالي 218,000 ألفا في قطاع غزة، وانضم 15 ألف عامل من غزة إلى مستنقعات البطالة في الربع الثالث من عام 2016، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل في الربع الثاني 203 آلاف عاطل عن العمل.