رغم مرارة البعد القسري عن الأهل والوطن، يحاول الشاب أنس قاطرجي، لملمة جراحه، والخروج من مدينته الأصلية حلب، التي رحل منها في ظل الحرب المشتعلة في بلاده منذ أكثر من خمسة أعوام، لتحط أقدامه على ثرى المدينة المحاصرة غزة.
وتمّكن قاطرجي صاحب الـ 29 عاماً، والذي تعود أصوله إلى مدينة حلب في سوريا، من الوصول إلى قطاع غزة بعد رحلة عذاب "مريرة" بدأت فصولها عندما رحل من بلدته الأصلية، نتيجة الأحداث الدامية في سوريا.
واستطاع قاطرجي الخروج من حلب تحت القصف الشديد والنيران المشتعلة نتيجة الحرب الدامية، عبر الحدود الأردنية، وصولاً إلى مصر، لكن فكرة الهجرة والاستقرار في قطاع غزة كانت سيدة الموقف لديه، بعد أن عرض عليه صاحب أحد المطاعم في غزة والمقيم في مصر العمل معه.
ورغم تلك الرحلة المريرة والأوضاع التي لحقت بعائلة قاطرجي التي قُصف منزلها ودُمرت أعمالهم بشكل كامل عام 2012 بما فيها مطعمه الأصلي "جار القلعة" في حلب، إلا أن أنس أصرّ على مواصلة حياته العملية والتأقلم مع أوضاع قطاع غزة.
وبقيت فكرة مطعم "جار القلعة" عالقة بذهن قرطاجي، إلى أن أعاد افتتاح فرعه الثاني في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وأطلق عليه اسم "جار القلعة 2"، استكمالاً لفرعه الأول في حلب مقابل قلعتها الشامخة والتي يعود بناؤها إلى العصور الوسطى، كما تعتبر قلعة حلب إحدى أقدم وأكبر القلاع في العالم.
ويعود تأسيس المطعم الأصلي بمدينة حلب لعام 2005، وتم تحويله بعد 5 سنوات لفندق ومطعم سياحي، لاحتوائه على قطع أثرية وتراث سوري قديم، وبقي حتى عام 2011 وأغلق نتيجة للحرب الدائرة ودمار جزء كبير منه، ولايزال مصيره مجهولًا حتى اللحظة.
ومما يميز مطعم "جار القلعة" بفرعه الثاني في النصيرات، هو اكتساء جميع زواياه بقطع قديمة من التراث السوري الأصيل من جدران ومصابيح وجلسة مميزة عن باقي مطاعم قطاع غزة، "وهذا ما يجذب الزوار للاطلاع على هذا التراث الأصيل والذوق السوري الخاص"، وفق قول قاطرجي "للرسالة".
ويضيف قاطرجي أن هذه القطع هي جزء أصيل من تراث مدينته حلب، وتعود أصولها إلى مئات السنين، وتدلل على عمق تمسك عائلته بالمدينة التي عاش فيها وعائلته وأجداده.
ويوضح أنه حصل عليها بعد معاناة كبيرة، وذلك من خلال التواصل مع أصدقائه في حلب، مشيراً إلى أنها وصلت إليه بعد رحلة طويلة عبر الحدود الأردنية والمصرية ومن ثم غزة.
وفي زاوية أخرى، فإن قاطرجي يبدع في تزيين الطعام واعداده وفق الطريقة الحلبية التي جذبت الغزيين وأشعرته بالانتماء هنا رغم مرارة البعد القسري عن الأهل والوطن.
ويشير قاطرجي إلى أنه يسعى إلى عمل مطعم أكبر في القطاع يتضمن أكبر عدد من القطع الأثرية التي تدل على عمق الحضارة السورية، والتي تعود أصولها إلى آلاف السنين.