يعيش اقتصاد القدس انهيارا تدريجيا تدبّره (إسرائيل) كي تجعل المدينة غير صالحة لعيش الفلسطينيين وتضمن سيطرة اليهود على المدينة.
وتهدف (إسرائيل) إلى زعزعة الأوضاع في أهم قطاعين استراتيجيين في القدس الشرقية، السياحة والأسواق التجارية بالمدينة القديمة، اللذين يجسدان هذا الانهيار الاقتصادي.
وتجدر الإشارة إلى أن القدس الشرقية بقيت وجهةً سياحية رئيسية لعقود فبعد انضواء الضفة المحتلة، تحت الوصاية الأردنية في أعقاب 1948 كانت السياحة أقوى قطاع في اقتصاد القدس الشرقية.
تدهور كبير
الباحثة في الشأن الاقتصادي نور عرفة، ذكرت أنه بحلول عام 1966، بلغت مساهمة قطاع السياحة في الجزء الشرقي من القدس 14% من الناتج المحلي الإجمالي، واستحدث فرص عمل كثيرة، ما أفضى إلى زيادة الدخل وتحسن مستويات المعيشة.
وقالت عرفة: "أعاقت الإجراءات العقابية (الإسرائيلية) إبان الانتفاضتين الأولى والثانية، مثل حظر التجول وفرض الضرائب، تطوير قطاع السياحة في القدس الشرقية".
وأدى بناء (إسرائيل) الجدار في 2002 وتكثيفها القيود المفروضة في أعقابه على تطوير القدس الشرقية إلى تدمير القطاع السياحي فيها بشكل خاص لأن تلك الإجراءات عزلت المدينة عن باقي الأرض الفلسطينية المحتلة.
وأوضحت عرفة أن قيود الاحتلال في وجه السياحة شملت فرض إجراءات مرهقة لترخيص بناء الفنادق أو تحويل المباني القائمة إلى فنادق، وفرض ضرائب بلدية عالية، وضعف البنية التحتية المادية والاقتصادية، وندرة الأراضي.
ويشار إلى أن 34% من الفنادق في الأرض الفلسطينية المحتلة كانت تقع في القدس الشرقية في 2009، في حين انخفضت النسبة بحلول 2016 إلى ما دون 18%.
وبينما يعجز معظم التجار الفلسطينيين عن دفع هذه الضرائب بسبب تراجع أعمالهم التجارية ويضطر كثيرون منهم إلى الاستدانة، تعكف السلطات (الإسرائيلية) على تقديم الحوافز السخية لهم ليبيعوا محلاتهم إذا لم يستطيعوا دفع الضرائب، وهكذا تستخدم الضرائب كأداة لمصادرة الممتلكات الفلسطينية وبسط السيطرة اليهودية على البلدة القديمة واستعمارها.
وتفاقم الوضع الاقتصادي للمقدسيين بسبب الضرائب الثقيلة التي تفرضها السلطات (الإسرائيلية) لخنق النشاط التجاري الفلسطيني. فالتجار الفلسطينيون ملزمون بدفع ست ضرائب: الأرنونا أو ضريبة المسقفات، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة الدخل، ورسوم التأمين الوطني، وضريبة الرواتب، وضريبة الترخيص.
خطة مدروسة
من جهته، أكد زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية أن ما يجري في القدس من تدهور للأوضاع الاقتصادية، كان مخططا له منذ احتلال القدس عام 1967.
وذكر الحموري وجود إشارات منذ سنوات بأن شرطة الاحتلال وأطقم بلديتها ستشرع بحملة كبيرة، تستهدف التجار وسيارات المقدسيين وهدم البيوت وفرض غرامات مالية كبيرة.
وقال: "الاحتلال دائما ما يستغل أحداثا جارية لتنفيذ ما يخطط له، فهم يعتبرون أن المعركة الديموغرافية قد بدأت، والوضع الاقتصادي هو الأساس في تنفيذ ذلك".
وأضاف: "أكثر من 250 محلًا تجاريًا من أصل 1200 في البلدة القديمة جرى إغلاقها بفعل الضغوط، وأتوقع أن يغلق آخرون محلاتهم إذا ما بقي الوضع على حاله".
ولفت الحموري إلى أن الاحتلال يدعم حملات بملايين الدولارات لهدم اقتصاد القدس ودعم التجار (الاسرائيليين) وإلحاق الخسائر بالمقدسيين.
وبيّن أن 80% من المقدسيين مَدينون لبلدية الاحتلال بسبب تراكم أموال ضريبة "الأرنونا" عليهم، محذّرًا من استيلاء الاحتلال على بيوتهم ومحالهم مقابل الضريبة في حال صدر أمر من المحكمة (الاسرائيلية) بذلك.
وبحسب الغرفة التجارية الصناعية في القدس، فإن عدد المحلات التجارية المغلقة في البلدة القديمة تجاوز 200 محل تجاري، فضلًا على أن المحلات التجارية التي لا تزال تفتح أبوابها لا تستطيع العمل لساعات أطول في الليل لعجزها عن تغطية التكاليف التشغيلية.
ويواجه التجار الفلسطينيون، منافسة شرسة من التجار (الإسرائيليين)، سيما وأنهم باتوا يتلقون دعما ماليا من الحكومة (الإسرائيلية) منذ الانتفاضة الأخيرة. فوفقا لتجار فلسطينيين، يتلقى كل تاجر يهودي في البلدة القديمة 70 ألف شيكل (ما يفوق 18000 دولار أمريكي) من بلدية القدس، وخصما مقداره 50% على ضريبة الأرنونا، بالإضافة إلى الدعم المالي الذي يحصل عليه من المنظمات (الإسرائيلية) الداعمة للمستوطنات غير القانونية في الأرض الفلسطينية المحتلة.