تظل مرحلة التقاعد هاجسا يؤرق كل موظف وموظفة، خصوصا مع الفهم الاجتماعي الخاطئ لها وضعف برامج الاستعداد وندرة ثقافة الاستفادة من الخبرات المحلية للمتقاعدين.
ويعايش المتقاعدين أوجاعاً كثيرة من ضعف راتب التقاعد ونظرة المجتمع لمرحلة التقاعد على أنها مرحلة التفرغ من العمل فقط.
فالتقاعد الذي يعتبره البعض نهاية الحياة، قد يكون عند البعض الآخر بداية حياة جديدة، وفرصة لاكتشاف الذات، بعد سنوات طويلة من العمل ومعاركة الحياة، يتفرغ فيها الشخص إلى حياته الخاصة، ووضع خبراته بين يدي الأجيال القادمة، أو تقديم هذه الخبرات عن طريق المحاضرات والاستشارات، أو الميل إلى مجالات الخدمات التطوعية المجتمعية.
لهذا على المتقاعد أن يتأقلم مع وضعه الجديد، ويتعايش معه، ولا ينظر له على أنه قرار لتنحيته عن العمل لعيب فيه، وإتاحة المجال للأجيال القادمة للعمل والابتكار.
المدرس المتقاعد موسى أبو جاسر يختلف كثيرًا عن المدرسين المتقاعدين، فأبى أن يجلس بمنزله في تل الزعتر بمعسكر جباليا بعد نداء مديرية التعليم بالشمال، على أن يعود للتدريس مرة أخرى ولكن متطوعًا بدون مقابل مادي.
ولم يفكر أبو جاسر مرتين، واتخذ القرار سريعًا بموافقته على تلبية نداء مديرية التعليم، ورجع إلى مدرسة الفالوجا الثانوية للبنات بشمال غزة، للعمل ويضرب مثالًا مميزًا للتطوع والعطاء.
وأبو جاسر خريج فيزياء من جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية عام1976، عمل في سلك التدريس بالمملكة العربية السعودية مدة 24 عاماً، ثم عاد لأرض الوطن بغزة عام 2001 ليعمل في المدارس الحكومية وكان آخرها مدرسة شادية أبو غزالة قبل أن يتقاعد في العام 2013.
ويؤكد خلال حديثه لـ "الرسالة" استعداده لأن يقدم خبرته التدريسية في ظل عدم وجود توظيف جديد في حكومة غزة منذ عام 2014م، حيث ظهر عجز معلمين ومعلمات في بعض التخصصات بالمدارس والذين يعملون على نظام العقد، ومنها وجود عجز في تخصص الفيزياء بمدرسة الفالوجا الثانوية للبنات.
وطرحت فكرة "عودتي للتدريس من قبل مديرية التعلم بالشمال، لحين توفير معلم أو معلمة، ووجهت دعوتي للتدريس بعد الموافقة وضمن معايير التطوع، ووافقت على الفور"، مضيفًا "عدت للتدريس وكل سعادة، لعودتي إلى لمهنة عشقتها أكثر من 35 سنة، وخاصة التجول بين الفصول المدرسية، وإمساك الطباشير والوقوف أمام الطلاب لشرح كل ما في جعبتي".
يقول: "كانت لدي الرغبة للعودة إلى التدريس، فالتقاعد كما يقولون ليس نهاية المطاف، اليوم أشعر بالسعادة وأنا أقدم واجبي الوطني والديني، سأستمر في عملي إلى أن يتم توفير معلمة أو معلم، وأتمنى أن يتم تعيينات جديدة حتى نرى وجوهاً جديدة من المعلمين يكملون المشوار".
ويضيف: "عشقت التخصص العلمي منذ الصغر، عشقت الفيزياء كذلك"، موجهًا نصيحة لمعلمي الفيزياء بأن علم الفيزياء "يحتاج من المعلم لأن يطلع على كل ما هو جديد في المحتوى والمنهاج الدراسي إضافة إلى إتباع كل الطرق التدريسية سواء التقليدية أو الحديثة".
يشير أبو جاسر إلى أنّ هناك عجزا في المدرسين في مواد اللغة الإنكليزية والفيزياء والكيمياء، مضيفاً أنّ المناهج الجديدة تعتمد على تخصصات ومهارات "لا يمكن لمدرّس في تخصص آخر أن يدرّسها بالحرفية والاتقان نفسهما، محذرًا من استمرار هذه الأزمة خصوصاً أنّ الحاجة إلى المدرّسين في تصاعد مستمر.
وتعيش وزارة التربية والتعليم العالي في قطاع غزة أزمة كبيرة بسبب عدم توفر عدد كافٍ من المدرسين، وهي أزمة مستمرة منذ عام 2014، وتحاول الوزارة سنويا البحث عن حلول عملية وخلاقة لضمان نجاح العملية التعليمية في مدارس القطاع، من دون التسبب في تفاقم الأزمة، لكنّ ذلك ينعكس سلباً بدوره على الأداء التعليمي للتلاميذ والمدرسين في آنٍ واحد، وفق الوزارة.