قائمة الموقع

مقال: في ذكرى انطلاقتها..العلاقات الخارجية لحماس بين المباديء والمصالح

2016-12-16T20:14:30+02:00
النائب: إبراهيم دحبور
بقلم النائب: إبراهيم دحبور

‎يجد المتتبع لمنظومة العلاقات الخارجية التي شيدت صرحها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والسياسة التي تبنتها في رسم معالم هذه العلاقات، أنها قامت منذ تأسيسها وحتى اللحظة على مجموعة من المرتكزات الرئيسية والخطوط العريضة، وأن فلسفتها بُنيت على قادة بناء علاقات خارجية -إقليمية ودولية- متينة ومتوازنة وجدية وواضحة مع الجميع بهدف خدمة القضية الوطنية الفلسطينية فقط، وأن علاقاتها وخطابها وسياساتها الخارجية قامت على ضرورة انعكاس إيجابيات هذه العلاقات على القضية الوطنية، وتجنب سلبياتها قدر الإمكان، خشية الاستعداء أو الدخول في معارك إعلامية وأحياناً فعلية مع هذه الأطراف، إما بسبب التدخل في شؤونها الخاصة، أو الانحياز لمحور سياسي أو عسكري ضد آخر، ذلك أن حركة حماس أدرت مبكراً الأخطاء التي وقعت فيها منظمة التحرير الفلسطينية واستفادت كثيراً بل واتعظت من تجربتها في كيفية صوغ علاقاتها الخارجية-العربية والإقليمية والدولية- وحرصت حماس أن لا تضر هذه العلاقات بالقضية الوطنية الفلسطينية كما أضرت علاقات المنظمة بها، من ناحية، وأن لا تسلب الحركة فلسطينيتها واستقلاليتها وحياديتها كما سُلب ذلك من سابقتها من ناحية ثانية.

‎وحرصت حماس على الربط الدقيق بين ضرورة استمرار خوضها للصراع مع العدو الصهيوني عن وعي وإدراك، وبين طبيعة تحالفاتها وبناء علاقاتها الخارجية، وأدركت منذ البداية أن للعدو الصهيوني أيضاً شبكة علاقات خارجية متشابكة ومتداخلة ولا يمكن الاستهانة بها، وبدون الوعي والإدراك والفهم فإن الحركة ستتخبط وتحار وتحيد في رسم سياساتها وبناء تحالفاتها وعلاقتها الخارجية كون العدو سيتدخل في أدق تفاصيل هذه العلاقات.

‎ولعل أكثر ما خدم الحركة في توازن علاقاتها الخارجية وثبات أو استمرار معظمهما، هو إدراكها بأن اختلاف المواقف حول المستجدات والقضايا المتشابكة، لا يحول دون اتصالها وتعاونها مع أيٍّ من الجهات التي لديها الاستعداد لدعم وإسناد صمود الشعب الفلسطيني وتأييد مقاومته للاحتلال، ولهذا فلم تكن يوماً معنية بالشؤون الداخلية للدول المختلفة، سواءً تلك التي كان لها علاقات معها أو التي لم تكن كذلك، والأمر ينساق على المنظمات والحركات والأحزاب العربية والإسلامية والدولية  بعدت أو قربت، وكان المحدد في بناء العلاقة دائماً هو القضية الفلسطينية وارتدادات تلك العلاقات عليها، غير أن هذا المبدأ (عدم التدخل) لم يمنع حماس من محاولة المساهمة في حل الخلافات العربية العربية أو التوسط فيها، والحرص على توحيـد مواقفها -برغم الخلاف- تجاه القضية الفلسطينية، وركزت جهودها باتجاه قيام الحكومات والفصائل والأحزاب والقـوى العربية والإسلامية بواجبها تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ودعم صموده والوقوف معه في مواجهته للاحتلال الصهيوني، وخدمة لهذا الدور فقد آمنت بأهمية الحوار مع جميع الحكومات والأحزاب والقوى المؤثرة، ولم يكن لديها مانع من إقامة علاقات مع أي جهة خدمةً لقضية الشعب الفلسطيني العادلة وتعجيل حصوله على حقوقه المشروعة.

‎ولا نبالغ كمراقبين إذا ما قلنا أن الحركة لم تُقم علاقاتها مع أحد علـى أسـاس المعتقد الديني أو العرقي أو المذهبي أو الأيدولوجي، ولم تناهض أحداً لهذه الأسباب أيضاً، بل كان محدد علاقاتها هو الشعب الفلسطيني وقضيته، فمن لم يمـارس ظلماً ضـده، أو يناصر الاحتلال الصهيوني في عدوانه عليه، لا مشكلة أو موانع في إقامة علاقة معه، وكان دافعها لذلك هو حرصها على حصر ساحة المواجهة مع الاحتلال الصهيوني في فلسطين، وعدم نقلهـا إلـى أي ساحة أخرى.

‎كما أن حماس سعت وأثناء بنائها لعلاقاتها الخارجية إلى تشكيل رأي عام إقليمي ودولي ضاغط على الكيان الصهيوني لإنهاء احتلاله للأرض الفلسطينية والمقدسات الدينية، وحرصت على تعميق العلاقة والتشاور مع المحيط العربي والإسلامي الذي يشكل العمق الإستراتيجي للقضية الفلسطينية بشكل خاص، لإدراكها أن الشعب الفلسطيني هو جزء أصيل من أمته، وأن القضية الفلسطينية هي مسؤولية عربية وإسلامية، مما جعلها تحرص على بقاء خطابها السياسي تجاه جميع الأطراف ثابتاً في جوهره متغيراً في ظاهره، وصدر في أغلبه بصيغة الاعتدال والتوازن، وابتعد قدر الإمكان عن الدخول في اشتباك وجدل حول أدوارها في الأحداث المختلفة التي تشهدها الساحة العربية، وابتعد إلى حد كبير عن الإشادة أو التنديد أو التراشق، بل انضبط بما يسمى بالحسابات السياسية ومخرجاتها، ولجأت حماس والإعلام المحسوب عليها في كثير من الأحيان إلى سرد الأحداث دون التعليق عليها، وهذا ليس من باب المجاملة أو الخشية على المصلحة الخاصة، وإنما من باب الحرص على الحيادية والمصلحة الوطنية.

‎وتأسيساً على كل ما تقدم، فإن المقاربة بين كل ما ذكرنا من مباديء، وبين الملامح العامة لعلاقات حماس الخارجية - ومع ذكرى انطلاقتها التاسعة والعشرون- نجد أنها ما زالت منضبطة بهذه المحددات ولم تحد عنها حتى اللحظة، ليس خدمة لمصالحها الخاصة واصطفافاتها وتحالفاتها، وإنما خدمـة للقضية الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المنكوب.

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00