حرصت المرجعيات الدينية اليهودية على بعث الحماس في نفوس الجنود ن عند اندلاع الحروب مع العرب بتذكيرهم أنهم سيعملون على استعادة البلدان التي كانت في حوزتهم. ومن الأمثلة على ذلك توزيع الحاخامية العسكرية خلال حرب لبنان الأولى خارطة للبنان على الجنود، وقد تم فيها تغيير أسماء المدن اللبنانية إلى أسماء وردت في التلمود. وعلى سبيل المثال تم تغيير اسم مدينة "بيروت" إلى "مئيروت"، وتم تعريف لبنان في هذه الخريطة بأنه كان يتبع قبائل بني إسرائيل الشمالية القديمة وتحديداً قبائل آشر ونفتالي .
وحثت الحاخامية العسكرية الجنود عشية الحرب على الاستبسال في القتال من أجل تحقيق "الوعد التوراتي" المتمثل في إقامة مملكة إسرائيل من نهر الفرات وحتى حوض البحر الأبيض المتوسط.
واقتبس الحاخامات ما ورد في التوارة: "كل أرض يمسها نعل قدمك تكون لك، وحدودنا تكون من البرية، من نهر الفرات إلى البحر الغربي" . ونشر الحاخام إسرائيل أرئيل أطلساً يوضح الأرض التي يتوجب على اليهود أن يستولوا عليها في الحروب القادمة، وتشمل جميع الأراضي الواقعة غرب وجنوب نهر الفرات، وتتضمن سوريا والكويت .
ونظراً لأن الصهيونية الدينية ترفض الوقائع التي تبلورها معاهدات التسوية مع الدول العربية، إذا تضمنت انسحاباً من أراضٍ احتلتها إسرائيل في حروبها؛ فإنها ترى في شن الحروب وسيلة لتصحيح "الأخطاء" التي ارتكبتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. من هنا لم تتردد المرجعيات الدينية في الدعوة لشن حروب من أجل "تحرير" أراضي عربية احتلتها إسرائيل وانسحبت منها كنتاج تسويات سياسية، أو لاحتلال أراضٍ عربية اعتبرتها المصادر الدينية اليهودية أنها تخص اليهود.
وقد دعت حركة "غوش إيمونيم" إلى "تحرير" سيناء التي انسحبت منها إسرائيل تطبيقاً لما جاء في اتفاقية "كامب ديفيد"، واحتلال لبنان، على اعتبار أن هاتين المنطقتين "أراضٍ يهودية" .
إن المرجعيات الدينية اليهودية تنطلق من افتراض مفاده أنه يتوجب توظيف الحروب في بلورة نظام يمنح اليهود دون غيرهم الامتيازات على أساس ديني. ويرسم مردخاي نيتسان، أحد المفكرين المحسوبين على التيار الديني الصهيوني، صورة الواقع الذي يجب أن يسود بعد أن تقع الشعوب الأخرى تحت احتلال اليهود؛ حيث يرى أنه يتوجب عدم استعمال أبناء الشعوب المحتلة في الوظائف، وفي حال لم يقبلوا ظروف العيش التي يمليها الحكم اليهودي، وعارضوا أنماط الحياة التي يؤمن بها اليهود، يتوجب شن الحرب عليهم .
وقد تحمست بعض النخب التابعة للتيار الديني الصهيوني للحروب، على اعتبار أنها توفر بيئة تسمح بوضع أيدلوجياتها الخاصة موضع التنفيذ. فقد أوضح الحاخام مئير كهانا زعيم حركة " كاخ " السابق الذي دعا إلى طرد الفلسطينيين من ديارهم في حافلات أو قاطرات للدول العربية أنه لا يمكن تطبيق هذه الرؤية إلا في حال نشبت حرب كبيرة .
وفي الوقت الذي يحاول فيه العلمانيون في إسرائيل التخلص من فلسطينيي 48 بواسطة حل الصراع مع السلطة الفلسطينية على أساس تبادل الأراضي؛ فإن المتدينين يرون أن إنجاز هذه المهمة يتم عبر الحروب فقط.
وهناك من يتفق مع كهانا، على اعتبار أن الحروب توفر حلولاً "عملية" للمشاكل الإستراتيجية التي تواجه إسرائيل، ومن هؤلاء من يرى أن الحروب تسهم في التصدي للمشكلة الديموغرافية المتمثلة في تعاظم الوزن الديموغرافي للفلسطينيين مقابل اليهود في فلسطين. وتسهم الحروب في نظر كثير من المرجعيات الدينية والنخب الفكرية للصهيونية الدينية في طرد الفلسطينيين أو كثيراً منهم للدول العربية، سواءً خلال الحرب، أو كنتيجة عنها.
وقد دعا كبار الحاخامات إلى استغلال الحروب في فرض ظروف حياة مهينة على الفلسطينيين من أجل دفعهم إلى ترك البلاد، حيث حثوا على فرض الجزية والعبودية على كل الفلسطينيين الذين يبقون بعد الحرب في فلسطين. وتستند بعض مرجعيات التيار الديني الصهيوني للفتوى التي أصدرها "الرمبام" في القرن الثاني عشر، حيث قال: "غير اليهودي المسموح له بالإقامة في أرض إسرائيل يتوجب عليه دفع جزية وعليه أن يكون عبداً لليهود" .
إن الاتجاهات العنصرية المتطرفة التي تعززها الصهيونية الدينية تشكل عاملاً رئيساً في تكريس تعاطي المتدينين الصهاينة مع الحروب بوصفها ضمانة استقرار وبقاء إسرائيل. ويذهب الحاخام شلومو أفنير إلى حد القول إنه "على الرغم من المآسي الشخصية التي تجرها الحروب إلا أنها تمثل السبيل الوحيد للحفاظ على تواصل الأمة وسلامة الوطن" .
وهناك من قادة التيار الديني الصهيوني من يرى أنه يتوجب اتباع خطى القادة العسكريين اليهود القدماء في خوض المعارك وإدارتها مع أعدائهم، ويقول الحاخام كهانا: "لا يوجد يهودي يقول إن قيام العبرانيين بإبادة الكنعانيين لم يكن عادلاً". ولما كانت المرجعيات الدينية للتيار الديني الصهيوني ترى أن الفلسطينيين والعرب هم كنعانيو هذا العصر، فإن هذا يعني أنه يتوجب أن يسلك اليهود في هذا الأيام نفس سلوك العبرانيين القدماء في الحروب التي يخوضونها ضد اليهود.