قبل ثلاثة شهور حمل أهالي بلدة ريما شمال غرب مدينة رام الله، المحرر حازم الريماوي على الأكتاف، وسط حالة من السعادة والانتصار بعدما أمضى 14 عاماً متنقلاً بين سجون الاحتلال الاسرائيلي، وأعيد المشهد ذاته أمس حينما حمل شبان البلدة ذاتها ابنه "أحمد" - 19 عاما-لكن هذه المرة شهيداً بعدما قنصه أحد جنود الاحتلال خلال مواجهات ساعات المساء.
رصاص غدر الاحتلال خطف أحمد من والده الأسير المحرر، حارماً إياه من أن تقر عيناه برؤية نجله الذي لطالما منعه الاحتلال من زيارته داخل السجن، إذ كان يعد الأيام ليفرج عنه ويحتضن ولديه "عطا وأحمد"، اللذين تركهما في سن صغير، وخرج من أسره ووجدهم شبانا يافعين يدافعون عن وطنهم بأبسط الأسلحة وهي الحجارة.
وكان الشاب أحمد "الريماوي" أصيب بالرصاص الحي في منطقة الصدر خلال مواجهات اندلعت في بلدة "ريما" فجر الأحد، ونقل إلى مستشفى الشهيد ياسر عرفات في مدينة سلفيت، إلا أنه فارق الحياة أثناء نقله، ولم تستطع الطواقم الطبي إسعافه لخطورة الإصابة المباشرة.
"الرسالة" تواصلت مع والد الشهيد عبر الهاتف، فاكتفى بكلمات مقتضبة قائلاً: "الحمد لله نال ابني الشهادة (..) هذا قدره وطريقه الذي اختاره"، وبعدها أنهى المكالمة.
ورغم الزيارات الخفيفة التي كان يسمح الاحتلال لـ "أحمد" زيارة والده، إلا أن الأخير لم يشبع من رؤيته لصغيره الذي تركه وهو ابن العام ونصف، فهو لم يخالطه أو ينصت لأحلامه وطموحاته أو يفضفض له عن الأيام التي قضاها في كنف جدته وحيدا يريد ابا يدعمه ويشجعه كبقية الاباء حينما ينصتون لأبنائهم، بل سارعت رصاصة تعمد جندي اسرائيلي قنصها لشاب صغير حاول الدفاع عن قريته بالحجر بعد محاولات استفزازية من قبل الإسرائيليين لسكان تلك البلدة.
ورغم استشهاد الريماوي، إلا أن حالة من السخط الكبير أثيرت على الحكومة والبلدية التي لم تستطع توفير سيارة إسعاف أو مركز طبي لمجمع بلدات تحدث فيها المواجهات بشكل يومي، وتغلق يومياً من قبل الاحتلال.
شهادة وزغرودة
"بدي اطلع من بيتك يا ستي شهيد"، تلك الجملة كان يرددها الشهيد الريماوي دوما على مسامع جدته التي ربته طيلة سنوات أسر والده، فكانت ترد عليه "بدي اشوفك عريس"، حيث حافظت عليه بكل ما أوتيت من قوة وسعت لتعليمه، وأحسنت تربيته لتسلمه لوالده بعد الافراج عنه كما أراد أن يكون هو وشقيقه، لكن أمنيته بالشهادة تحققت.
قابلت جدته السبعينية خبر استشهاده بزغرودة دوت في بلدة ريما، ومن ثم شكرت ربها على نيله للشهادة، وذلك وفق قول عمه "محمد" الذي تابع متحدثاً "للرسالة" بعدما انتهوا من لحده:" طيلة الثلاثة أيام الماضية لم يهدأ جنود الاحتلال الاسرائيلي، فكانوا يأتون للبلدة لاستفزاز الشباب ويدفعونهم للاشتباك، فكانوا يخرجون للتصدي لجيباتهم العسكرية بالحجارة حتى ارتقى ابن شقيقي شهيدا".
ووفق قوله، فإن الشهيد أراد اللحاق بصديقه الشهيد " ابراهيم داوود" الذي ارتقى إلى السماء قبل نحو العامين، بالإضافة إلى الرد على الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال، حيث كانت تثير غضبه خاصة خلال انتفاضة القدس، حينما يعتدي الاحتلال على الأطفال والفتيات ويقتلوهم بحجة محاولات الطعن.
يذكر أنه باستشهاد الشاب "الريماوي"، يرتفع عدد شهداء انتفاضة القدس (اندلعت في تشرين أول/ أكتوبر 2015) إلى 269 في مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة بينهم شهيدان "سوداني وأردني".
من ناحيتها، نعت القوى الوطنية والاسلامية لمحافظة رام الله والبيرة الشهيد أحمد الريماوي. ووصفت القوى في بيان صادر عنها ما جرى، بانه استهتار بحياة المدنيين ضمن الانتهاكات الصارخة للإسرائيليين، داعية لاستمرار الكفاح الوطني حتى كنس الاحتلال، وتحقيق أماني الشعب في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني.
ودعت إلى توسيع الفعل الشعبي المقاوم للاحتلال ومستوطنيه الذي يواصل سياسات الاقتلاع والتطهير العرقي بحق الشعب. وثمنت القوى في بيانها دور اهالي بلدة بيت ريما الوطني، فهي لاتزال تقدم الشهداء والأسرى، حيث لا يزال العشرات من ابناء القرية يرزحون داخل معتقلات الاحتلال الاسرائيلي.
والجدير ذكره، أن بلدة "ريما" تتعرض منذ عدة أيام والقرى المجاورة للإغلاق، واعاقة الحركة والتنقل وينشر جيش الاحتلال حواجزه العسكرية على مداخلها ضمن سياسة العقوبات الجماعية.