تحولت الحاخامية العسكرية التي تتولى شؤون الجنود المتدينين في الجيش الصهيوني، إلى بديل عن قسم التثقيف في الجيش. ويلعب الحاخام الأكبر للجيش والحاخامات العسكريون، الذين يتبعونه، الدور الأبرز في تثقيف الجنود وتعبئتهم دينياً عشية الانطلاق لشن الحروب وأثناء اندلاعها.
وعندما يكون على رأس الحاخامية حاخام كـ"إيلي كريم"، الذي يرأسها حاليا، وهو الذي أفتى بجواز اغتصاب نساء العدو وقت الحروب، فعلى المرء أن يتخيل طابع الرسائل التي ينقلها الحاخامات العسكريون لجنودهم.
ومما لا شك فيه أن الزيادة الهائلة التي طرأت على عدد الضباط المتدينين في الوحدات المقاتلة في الجيش جعل للتعبئة التي يقوم بها الحاخامات دوراً مهماً وحاسماً في تعامل الضباط والجنود مع العرب، وتحديداً المدنيين خلال هذه الحروب.
وقد كان للحاخامات تأثير واضح خلال الحروب التي خاضتها (إسرائيل) في العقود الثلاثة الأخيرة بشكل واضح. ففي حرب لبنان الأولى 1982 وحرب لبنان الثانية 2006 وحرب غزة 2008، اطلع الحاخامات بدور بارز في مجريات هذه الحروب.
وقد وزعت الحاخامية العسكرية خلال هذه الحروب الثلاثة كراسات على الجنود تطالبهم فيها بأن يقتفوا أثر يوشع بن نون "الذي قاتل الكنعانيين وانتصر عليهم، وقضى عليهم قضاءً مبرماً .
إن الدعوة لاقتفاء أثر يوشع بن نون تحديداً خطيرة جداً، حيث أنه حسب الإرث الديني اليهودي قد كلف الرب يوشع بن نون بقتل الرجال والنساء والأطفال وحتى البهائم؛ مما يعني أن مؤسسة عسكرية رسمية في الجيش تطالب الجنود بأن يكونوا بنفس "الوحشية" المنسوبة ليوشع بن نون في المصادر الدينية اليهودية.
لقد أفتى الحاخامات العسكريون بأن يطبق اليهود الحكم الذي أنزله الرب، بزعمهم، في الكنعانيين على الفلسطينيين حالياً. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فإن الحاخامية العسكرية بررت عمليات القتل الجماعي التي ارتكبت خلال الحروب ضد اللبنانيين والفلسطينيين، واعتبرتها "ضرورة شرعية ملحة لتطهير الأرض من قوة الشيطان" . وقد بدا تأثير التعبئة الدينية التي يتلقاها الضباط والجنود على سلوكهم أثناء الحروب مع العرب.
وتصلح الحرب التي شنتها (إسرائيل) على قطاع غزة أواخر عام 2014 على غزة، مثالاً واضحاً على تأثير الحاخامات ومرجعيات التيار الديني الصهيوني خلال الحروب. فقد كان للحاخامات دور بارز وحاسم في دفع الضباط والجنود لاستهداف المدنيين الفلسطينيين خلال الحرب بشكل غير مبرر.
وينقل هارئيل عن الحاخام الجنرال رونتسيكي، قوله في إحدى المواعظ التي ألقاها على مسامع جنود لواء المظليين الذين كانوا يتقدمون لاحتلال بلدة "بيت لاهيا" الفلسطينية شمال غرب قطاع غزة: "الوحشية مطلوبة مع الأغيار، لا مجال للرحمة مع هؤلاء، الرحمة هنا تساوي الموت". وفي غمرة الحرب وزع رونتسيكي كراسات إرشادية على الجنود المشاركين في العدوان أمرهم فيها بعدم الرحمة مع المدنيين، معتبراً أنه لا يوجد مدنيين بين الفلسطينيين. وحرص رونتسيكي على جلب عدد من أكثر الحاخامات تطرفاً لإلقاء المواعظ على الجنود قبيل الشروع في العدوان وأثناءه وبعده، منهم الحاخام شموئيل الياهو، الذي أفتى أمام الجنود بجواز قتل النساء والأطفال الفلسطينيين.
وفي بعض الأحيان لا تكتفي الحاخامية العسكرية بالسماح للحاخامات المتطرفين بتحريض الضباط والجنود على القتل؛ بل تسمح أيضاً لمجموعات هامشية لا تحظى باعتراف رسمي بتحريض الجنود، مادام الأمر يتعلق بحياة العرب.
وقد سمحت الحاخامية بتوزيع منشور على الجنود، يحمل توقيع حركة "تلاميذ الحاخام إسحق جيزنبرج" يدعو إلى "عدم الاكتراث بحياة المدنيين في غزة، فهم مجرمون، ونحن ندعوكم إلى تجاهل كل القيم والأوامر التي من شأنها أن تعرقل سير القتال كما يجب أن يكون... دمروا العدو" . ومن الدلائل الواضحة على تأثير التعبئة الدينية على أنماط تعاطي ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي مع المدنيين الفلسطينيين، هو عشرات الشهادات التي أدلى بها مائة وثمانون ضابطاً وجندياً ووثقها كتاب "يكسرون الصمت"، حيث تحدث الجنود عن الفظائع التي كانوا يرتكبونها ضد المدنيين الفلسطينيين. وينقل الكتاب عن أحد الجنود قوله أن الجنود كانوا يقومون بإطلاق النار وقتل المسحراتيين في المدينة أثناء ليالي رمضان؛ في حين اعترف عدد كبير من الجنود والمجندات أنهم عملوا على حماية وتأمين المستوطنين عندما كانوا يقومون بالاعتداء على الفلسطينيين والتنكيل بهم .
وقال جندي آخر إن الجنود لا يتدخلون عندما ينهال المستوطنون بالضرب على القرويين الفلسطينيين، لكن عندما يحاول الفلسطينيون الدفاع عن أنفسهم يتدخل الجنود لضربهم. ونقل الكتاب عن جندي يدعى شاؤول قوله إنه كان يلاحق المدنيين الفلسطينيين ويصفيهم جسدياً قبل أن يصلوا الملاجئ.