قائد الطوفان قائد الطوفان

5 محطات مهمة في قرار مجلس الأمن إدانة الاستيطان

كاركتير الرسالة
كاركتير الرسالة

الرسالة نت -أحمد الكومي

 

حققت السلطة الفلسطينية انتصاراً معنوياً في الأمم المتحدة باعتماد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2334، الذي كرر مطالبة (إسرائيل) بأن توقف فوراً وعلى نحو كامل، جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.

وكان مشروع القرار قد تبنى تقديمه لمجلس الأمن كل من نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال بعد أن قررت مصر بطلب من الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب، وبعد ضغوط إسرائيلية، سحب مشروع قرار مماثل في وقت سابق.

وفيما تتوالى ردود الفعل على القرار الدولي الأول من نوعه منذ 38 عاماً، باعتبار أنه يطالب بوقف الاستيطان، فإنه لابد من التوقف عند خمس محطات مهمة تتعلق به.

المحطة الأولى، هي أنه بالرغم من أن القرار أثار سخط (إسرائيل)، باعتبار أنه يؤكد عدم شرعية إنشاء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ويعد إنشاءها انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي، وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل، إلا أنه في الواقع لن يكون قادراً على منع الاستمرار في الاستيطان، أو إجبار حكومة نتنياهو على إخلاء أي مستوطنة، إذا ما علمنا أن قرابة 400 ألف مستوطن يعيشون في نحو 140 مستوطنة تم بناؤها منذ احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية عام 1967، وسط 2,6 مليون فلسطيني.

وبالتالي، فإن معركة (إسرائيل) في الأمم المتحدة تجاوزت مسألة الموافقة على الاستيطان من عدمها، وانتقلت إلى محاولات نيل موافقة أممية على شرعية هذا الاستيطان، وهذا ما يفسر سخطها من القرار الذي سيضعها في مهمة جديدة ستستغرق سنوات طويلة؛ لتحقيق هذا الهدف، علماً أن آخر قرار أممي يتعلق بالاستيطان كان عام 1979، حين تبنى مجلس الأمن القرار رقم 446 الذي يعتبر بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية غير مشروع. وقد امتنعت أيضاً الولايات المتحدة حينها عن التصويت.

ويؤكد ذلك تعليق نتنياهو بأن "قرار مجلس الأمن محاولة لن تتكلل بالنجاح لفرض شروط على (إسرائيل) من أجل الحل النهائي مع الفلسطينيين، وأنه سيأخذ وقتا طويلا، لكن في نهاية المطاف سيتم إلغاؤه"، مضيفا: "من السخافة أن يقال بأن الربع اليهودي والحرم الإبراهيمي أراضٍ محتلة"، وفق تعبيره.

وإذا ما نظرنا إلى ردود الفعل الإسرائيلية الأخرى على القرار، نجد أن الإعلام العبري مثلا اهتم أكثر بما وصفه بـ "خيانة أوباما"، على مستقبل المشروع الاستيطاني.

ويعتبر الموقف المصري المحطة الثانية والأبرز، بعد تقديم مشروع القرار ثم سحبه بذريعة "الحاجة إلى مزيد من المشاورات"، ولا شك أن توافق المصلحة بين القاهرة و(تل أبيب)، وسعي القاهرة لتقديم عربون صداقة للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، كان الدافع إلى التراجع المصري، وبالتالي فإن ذلك يضعنا أمام إشارتين، أولهما قوة النفوذ الإسرائيلي وسيطرته على القرار العربي، وجعله رهينة للضغوط الدولية، والمصالح، ثم إبراز مدى أهمية القضية الفلسطينية في تعزيز المكانة السياسية للعواصم العربية في المحافل الدولية، باعتبارها أداة ضغط على (تل أبيب)، يمكن استثمارها دبلوماسياً، إذا ما امتلك العرب الإرادة السياسية لذلك.

أما المحطة الثالثة، فهي امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على القرار، الذي من المؤكد أنه لن يضر (إسرائيل)، ولا يبدو أنه كان مفاجئا لحكومة نتنياهو، الذي اتسمت علاقته بالرئيس الأمريكي باراك أوباما بالفتور، وشابتها خلافات عدة. والتقدير الشائع أن هذا الإجراء من أوباما كان من قبيل الانتقام الشخصي من نتنياهو قبل مغادرته البيت الأبيض، بمعنى أنه في الوقت الضائع.

فأوباما امتنع على مدى 8 سنوات من تواجده في الرئاسة عن السماح للسلطة الفلسطينية بتمرير قرارات في مجلس الأمن ضد الاستيطان. واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض ثلاثين مرة ضد مشاريع قرارات تتعلق بـ(إسرائيل) والسلطة. وكانت آخر مرة امتنعت فيها واشنطن عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن عام 2009 لنص يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وقد كتب باراك رافيد المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس" العبرية معلقاً على انتقام أوباما: "نفس الشخص (يقصد نتنياهو) الذي عمل من خلف ظهر أوباما، وألقى خطابا في الكونغرس يشتكي الآن من أن اوباما عمل من خلف ظهره في الأمم المتحدة".

وتتمثل المحطة الرابعة في تدخل الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، الذي كان السبب الرئيسي في سحب مصر مشروع القرار، وتصريحه بأن الإدارة الأمريكية الجديدة ستأتي بعصر جديد لعلاقات (إسرائيل) مع الأمم المتحدة، مما يحمل رسائل مهمة بأن القادم ليس أفضل فيما يتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية؛ الأمر الذي يستوجب من السلطة إعادة التفكير باستراتيجية أنجع في مواجهة الانحياز المستمر للراعي الوحيد للتسوية، لـ (إسرائيل)، والذي استبقه ترامب بتعيين المتشدد الأمريكي اليهودي ديفيد فريدمان، سفيرا لبلاده في (تل أبيب)، والمعروف بتأييده حكومة نتنياهو العنصرية، ودعمه المطلق للاحتلال وسياساته الاستيطانية، ومعارضته أي ضغط من الولايات المتحدة على (إسرائيل) لوقف الاستيطان، وتأييده نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، التي يصفها بـ"العاصمة الموحدة والأبدية لـ(إسرائيل)"، إذا ما علمنا أيضا أن (إسرائيل) تعتبر انتخاب ترامب فرصة لتوسيع الاستيطان !.

أما المحطة الخامسة، فهي المستجد الأكثر أهمية، متمثلا في تقديم 4 دول غير عربية مشروع القرار، بعد انسحاب مصر، وهي (نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال)، والذي اعتبر سابقة قوية لإدانة احتلال الأرض الفلسطينية، ويؤكد أيضا جدوى وأهمية العمل على المستوى الخارجي من قيادة السلطة وسفاراتها، وتوسيع نطاق عملها إلى الدول غير العربية، التي تمتلك القدرة على عدم الرضوخ للإدارتين الأمريكية والإسرائيلية.

كل ما تقدّم، يمثل بروفة لمستقبل القضية الفلسطينية على الصعيدين الدولي والإقليمي، تفرض تطوير الرؤية الفلسطينية وأدوات الضغط، والاتفاق وطنياً على استراتيجية لا تكتفي بانتصارات معنوية.

 

البث المباشر