شكلت انتفاضة القدس أحد أبرز الأحداث التي تميز بها العام 2016، حيث علق عليها الفلسطينيون أملاً في أن تحدث تغييرا مهما خاصة في ساحة الضفة الغربية التي تشهد جمودا سياسيا وعسكريا منذ سنوات.
وقد شهدت الانتفاضة التي انطلقت مطلع أكتوبر 2015 وتيرة متباينة من الأحداث، حيث بدأت بالاشتباكات العنيفة بين قوات الاحتلال والشبان الفلسطينيين في معظم مدن الضفة الغربية، ما أعاد للأذهان مشهد الانتفاضة الأولى خاصة مع تشابه الأدوات.
وقد تميزت هذه الانتفاضة في بداياتها بخروج عشرات الشبان على حدود قطاع غزة والذي شهد اشتباكات بين الشبان الغاضبين وقوات الاحتلال.
واعتمد شبان الضفة الغربية التي تعاني شحا في الأسلحة جراء التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وأجهزة أمن الاحتلال على الحجارة لمقاومة الاحتلال، إلا أن العديد من العمليات المسلحة التي جرت شكلت محطات مفصلية في مسيرة الانتفاضة.
وتعتبر العملية التي نفذها الاستشهادي نشأت ملحم في "مقهى ديزنكوف" في (تل أبيب) المحتلة من أقوى العمليات التي جرت خلال العام 2016، خاصة أنها جاءت بعد موجة من عمليات الدهس والطعن في أنحاء متفرقة من الضفة ومدينة القدس المحتلة.
وقد جاءت هذه العملية لتنقل الوجهة إلى (تل أبيب)، حيث نفّذ الشهيد ملحم من عارة بالداخل المحتل عملية إطلاق نار تجاه مجموعة من رواد أحد المقاهي في شارع ديزنكوف وسط المدينة.
وأدت العملية إلى مقتل صهيونيين اثنين وإصابة 8 آخرين بجراح، وتمكن المنفذ من الانسحاب من المكان، حيث لم تتمكن أجهزة أمن الاحتلال من العثور على مكانه إلا بعد طول عناء وبحث مستمر، حيث تحولت مدينة (تل أبيب) إلى مدينة أشباح طيلة أسبوع كامل، ليستشهد بعد اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال.
وفي شهر إبريل الماضي نفّذ الاستشهادي المجاهد عبد الحميد أبو سرور عملية بطولية بتفجير عبوة في باص تابع لشركة "إيغد" الصهيونية ما تسبب باحتراق حافلة بشكل كلي وإصابة 21 صهيونياً.
بينما شهد شهر يونيو الماضي، تسلل محمد وخالد مخامرة لقلب الكيان داخل مقهى في (تل أبيب) ليشهرا بنادقهما الآلية ويقتلا أربعة صهاينة ويصيبا 3 آخرين بجراح حرجة، قبل أن يتم اعتقالهما بعد خلل أصاب بندقية أحدهما ونفاد ذخيرة الآخر.
ونتيجة صعوبة الأوضاع الأمنية والقبضة المشددة من الاحتلال والسلطة معاً واجه الشبان الفلسطينيون صعوبة بالغة في تنفيذ عمليات ذات طابع عسكري، وباتت عمليات الطعن هي الصفة الغالبة على الانتفاضة، فقد مرت الشهور الأولى من العام المنصرم بارتباك إسرائيلي كبير خاصة وأن عمليات الطعن كانت شبه يومية.
في المقابل فإن عجز الاحتلال عن الحد من العمليات حاول مواجهته بالتصفيات والقتل على الحواجز للشبان والفتيات.
وفي دراسة احصائية لمركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، فقد بلغ عدد شهداء انتفاضة القدس خلال منذ بداية العام 2016 قرابة 125 شهيداً.
وما زالت الخليل تحتل المكانة الأبرز في انتفاضة القدس، حيث أطلق عليها عاصمة الانتفاضة كون العمليات الأكثر قوة وتنظيم خرجت منها، إلى جانب المواجهات التي شهدتها المدينة باستمرار.
وتصدرت الخليل قائمة المحافظات التي قدمت شهداء خلال الانتفاضة، حيث ارتقى على أرضها 78 شهيداً، تليها القدس بـ 59 شهيداً، ثم رام الله حيث ارتقى منها 27 شهيداً، فيما سجلت محافظات قطاع غزة ارتقاء 34 شهيداً.
ويمكن القول إن أبرز ملامح انتفاضة القدس أنها أظهرت دخول فئات شعبية أوسع في العمليات الفردية، حيث أظهرت المعطيات مشاركة مناطق جديدة (بيت لحم، قلقيلية، البيرة)، وفئات عمرية مختلفة منها 16 عاماً، كمنفذ عملية القنص في مدينة الخليل.
وتشير مسيرة الانتفاضة إلى أن نمط العمليات الفردية، بات سمة ممتدة، ومتزايدة، لذلك يتوقع استمرارها خلال المرحلة القادمة، وهو ما يفسر أيضاً انخفاض وتيرتها من فترة لأخرى.
في المقابل تشكل القبضة الأمنية للاحتلال وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية عنصرا قويا في خفض وتيرة الانتفاضة ومنع المئات من العمليات، حيث أعلنت السلطة مؤخراً أنها أحبطت أكثر من 180 عملية.
كما أن حملات الاعتقالات من الطرفين لا تتوقف ضد عناصر وكوادر فصائل المقاومة وتحديداً حركتي حماس والجهاد الإسلامي ما ساهم في إحباط العديد من العمليات وخفض وتيرة الانتفاضة.