قائد الطوفان قائد الطوفان

تعقيدات قانونية ومالية تعيقه

"محكمة الجنايات الكبرى" مقترح ينهي أزمة القضاء في غزة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

غزة-شيماء مرزوق

عقد حاجبيه وهو يرفع صورة لشقيقه المغدور كتب عليها "القصاص من القتلة". محاولاته حبس دموعه لم تفلح أمام صرخاته وباقي عائلته المتجمهرين أمام مجمع المحاكم في مدينة غزة بالتزامن مع موعد جلسة المحاكمة للنظر في القضية التي لم يبت فيها منذ سنوات.

مشهد المتظاهرين أمام محكمة بداية غزة حاملين صوراً للمغدور ولافتات تطالب بالقصاص من القتلة تكرر خلال الفترة الأخيرة، التي شهدت ازديادا في عدد جرائم القتل التي فجعت المجتمع الفلسطيني.

تزايد حالات القتل والتي كان آخرها جريمة الأخذ بالثأر دفع الجهات المختصة في قطاع غزة إلى اقتراح تشكيل محكمة جنايات كبرى تختص في النظر بقضايا القتل وغيرها التي تشكل رأي عام في المجتمع.

وتعمل حالياً الجهات المختصة على الدفع بقوة في اتجاه تشكيل المحكمة خاصة مع تكدس القضايا والملفات في المحاكم، وتحديداً قضايا القتل الـ 132 المنظورة حالياً أمام المحاكم في قطاع غزة، إلا أن الإجراءات الروتينية وضعف الإمكانيات تعيق تشكيلها، خاصة في ظل الانقسام السياسي وتخلي حكومة التوافق عن مسؤولياتها تجاه القطاع.

تسريع الإجراءات

وينص القرار بقانون رقم (7) لسنة 2006م بشأن قانون محكمة الجنايات الكبرى -أصدره رئيس السلطة محمود عباس في العام 2006 دون عرضه على المجلس التشريعي ما دفع الأخير لإلغائه بعد فترة وجيزة-على إنشاء محكمة عادية متخصصة تسمى (محكمة الجنايات الكبرى) تكون ضمن المحاكم النظامية.

مجلس القضاء: سنقدم المقترح للجهات المعنية خلال أيام وتشكيلها سينهي أزمة القضاء

وتتشكل من رئيس لا تقل درجته عن رئيس محكمة استئناف وعدد كافٍ من القضاة لا تقل درجتهم عن قاضي بداية، وتنعقد هيئة المحكمة من ثلاثة قضاة على الأقل.

كما ينص القرار بقانون على أن تختص بالنظر في جرائم القتل والاغتصاب وهتك العرض والخطف الجنائي وجرائم الاعتداء على المال والأمن العام المحالة إليها من رئيس السلطة الوطنية والمجلس التشريعي ومجلس الوزراء وديوان الرقابة المالية والإدارية وهيئة الكسب غير المشروع أيا كانت العقوبة المقررة وبقرار من النائب العام.

وبحسب القرار فان المحكمة تعقد جلستها للنظر في الدعوى الواردة إليها خلال مدة لا تزيد على أسبوع من تاريخ إيداع لائحة الاتهام لديها، وتنعقد جلسات المحكمة في أيام متتالية ولا يجوز تأجيل المحاكمة لأكثر من أربعة أيام إلا في حالات الضرورة ولأسباب تذكرها في قرار التأجيل، وأن تصدر المحكمة حكمها خلال مدة لا تزيد على أسبوعين من تاريخ اختتام المحاكمة، ويجوز للمحكمة تأجيل النطق بالحكم مرة واحدة فقط ولمدة لا تزيد على أسبوعين.

رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار عبد الرؤوف الحلبي أكد أن مبدأ التخصص في العمل هدف استراتيجي بالنسبة للقضاء، إلا أن ضعف الإمكانيات والاحتياجات البشرية من قضاة وموظفين إلى جانب المباني المتهالكة والقديمة أعاق تطبيق هذا المبدأ.

وقال " نواجه حالياً حاجة ملحة للتخصص بعد كثرة القضايا التي من شأنها أن تلحق الضرر بالمجتمع الغزي ومنها قضايا القتل والتي تشكل قضايا رأي عام وتحتاج إلى ردع ووقفة".

وتابع الحلبي " ارتأينا مع المسؤولين في غزة بضرورة تشكيل محكمة جنايات كبرى ستتولى النظر بكافة القضايا الجزائية الخطيرة مثل القتل والاغتصاب وغيرها من الملفات الشائكة، حيث ستنظر المحكمة القضايا في جميع محافظات القطاع ما سيؤدي إلى سرعة الإنجاز وتجويد العمل".

وأضاف أن المحكمة لن تعمل إلا في هذا المجال، لذلك فقضايا القتل التي قد تستمر في المحاكم سنوات طويلة سيكون النظر فيها خلال أشهر معدودة وسيتم التفاعل معها بشكل يحقق الأمن بمنسوب أعلى من السابق.

ووفق احصائيات مجلس القضاء، فإن قضايا القتل بلغت 132 جريمة منظورة حالياً أمام المحاكم في قطاع غزة، وتتوزع ما بين محكمة بداية غزة التي تنظر في 58 منها، ومحكمة بداية دير البلح تنظر في 44 أخرى، بينما بداية خانيونس تنظر في 30 قضية.

غياب التنسيق

غياب التنسيق بين الحكومة في غزة والضفة يعيق تشكيل المحكمة المختصة خاصة أن وزارة العدل في رام الله رفعت مقترحاً لمجلس الوزراء لإصدار قرار بقانون لتشكيل المحكمة -هو ذات القرار بقانون الذي أقر وأُلغي في العام 2006-إلا أن العدل في غزة اعترضت لعدم استشارتها أو أي من الجهات المعنية في غزة.

العدل: رام الله تعمل دون استشارتنا وإقرارها يحتاج لمصادقة التشريعي

وكيل وزارة العدل المستشار عمر البرش أكد أن تشكيل محكمة الجنايات الكبرى ضرورة لتسريع إجراءات المحاكم والحد من التسويف والمماطلة التي تجري بسبب تكدس القضايا والملفات.

وبين أنه قبل أسبوعين رفعت وزارة العدل في رام الله قرارا بقانون لمجلس الوزراء للمصادقة على تشكيل محكمة الجنايات الكبرى، وقد جرت المصادقة عليه ورفعه للرئيس للمصادقة عليه وذلك دون استشارة الجهات المعنية في غزة سواء العدل أو القضاء أو النيابة.

واعتبر أن القرار بقانون مخالف بشكل صريح لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني لسنة 2003 وتعديلاته ولا سيما المادة (43) منه، حيث ينص على ضرورة أن يصادق المجلس التشريعي عليه.

ومع تحفظ الوزارة على الآلية التي تمت المصادقة فيها على القانون الا انه من الضروري وجود قانون محكمة الجنايات الكبرى وذلك تحقيقاً للمصلحة العامة للمجتمع والحاجة للسرعة في انجاز القضايا والفصل فيها خلال فترة قصيرة، بحسب البرش.

ولفت وكيل وزارة العدل إلى ضرورة حماية حقوق المواطنين والحفاظ على أمن المجتمع واستقراره وإيجاد هيئات قضائية متخصصة بشأنها.

فاجعة الثأر

استفاق قطاع غزة قبل عدة أيام على جريمة مفجعة عندما أقدم أفراد من عائلة دغمش على قتل اثنين من عائلة أبو مدين غرب مدينة غزة وذلك أخذاً بالثأر، ما أدى لاستنفار جميع الأجهزة الشرطية والنيابة والقضاء في القطاع في محاولة لمنع تكرار هذه الجرائم من خلال معاقبة المتورطين وتحقيق مبدأ العدالة وتطبيق القانون بعيداً عن القبيلة وتنفيذ القانون باليد.

وبحسب النيابة العامة في غزة فان قضايا القتل في سنة 2014 بلغت 45 قضية، في حين شهد العام 2015م 47 قضية، ما يستوجب إيجاد حل سريع للمسألة وفقاً لرئيس نيابة غزة الجزئية يحيى الفرا.

النيابة: عشرات الآلاف من القضايا المتنوعة عالقة، ما يتسبب في ازدياد جرائم القتل

"النيابة من الجهات التي كانت توصي باستمرار بتخصيص العمل، بحسب الفرا الذي اقترح أنه في حال عدم التمكن من تشكيل محكمة خاصة بالجنايات الكبرى، على الأقل يجري تخصيص عدد من القضاة للنظر في قضايا القتل للتغلب على أزمة طول أمد التقاضي والتسويف في الملفات حتى لا تضيع حقوق المواطنين".

وأوضح الفرا انه يوجد الكثير من الملفات المتكدسة والعالقة ولم يحدد لها جلسات، كما لم يبت في عشرات الآلاف من القضايا المتنوعة والنهائية والمتراكمة ولم تحدد لها جلسات علما أن بعضها يعود لسنوات ما قبل الانقسام.

ولفت الفرا إلى أن النيابة طلبت من النائب العام تقديم مقترح لمجلس القضاء بتشكيل هيئة خاصة للنظر في الجنايات الكبرى وجرائم القتل في محاكم بداية غزة وخانيونس ودير البلح، لمدة ستة شهور قابلة للتجديد لإنهاء جميع الملفات العالقة.

طول أمد التقاضي يجعل المجتمع ينسى القضية والحكم فيها حتى لو بالإعدام ولا يكون له تأثير قوي أو ردع خاص على المجرمين، ولكل من يفكر في ارتكاب جرائم من هذا النوع، وهذا يعتبر أحد أسباب تكرار جرائم القتل وان لم يكن السبب الرئيسي، بحسب رئيس النيابة الجزئية.

وأشار الفرا إلى أن عدم تنفيذ الأحكام وخاصة الاعدام يمكن أن يوهم المجرم نفسه أنه يقضي سنوات ثم يخرج لظروف معينة سواء كانت حربا أو ظرفا أمنيا آخر ومن ثم يهرب إلى خارج البلاد فيعيش على هذا الوهم، مما يؤدي إلى لجوء الناس لأخذ القانون بيدهم.

ولم يختلف سلامة بسيسو من مجلس نقابة المحامين في غزة عن سابقيه حيث اعتبر أن تشكيل محكمة مختصة بالجنايات الكبرى سيؤدي لسرعة البت في القضايا ويشكل نوعا من الردع للمجرمين ويحقق مبدأ العدالة النافذة حتى ينال المجرمون القصاص.

واعتبر أن تشكيلها لا يحتاج لتعقيدات قانونية وبإمكان رئيس مجلس القضاء الأعلى تشكيلها بإصدار قرار بذلك.

ندرة القضاة

إصدار محكمة بداية خانيونس حكمًا بالإعدام شنقًا حتى الموت بحق سيِّدة أدينت بقتل زوجها مع سبق الإصرار، جاء مفاجئاً خاصة أنها المرة الأولى التي يصدر فيها حكم إعدام بهذه السرعة وبحق سيدة أدينت بالقتل، حيث غالباً ما تحكم السيدات أحكاماً مخففة.

وقد هزت جريمة مقتل المواطن ربيع أبو عنزة (36 عامًا) جنوب خانيونس في يناير الماضي قطاع غزة خاصة بعدما تم الكشف خلال التحقيقات أن زوجته هي القاتلة.

نقابة المحامين: تشكيلها يسير وبإمكان رئيس مجلس القضاء إصدار قرار

من ناحية أخرى سرعة الحكم في القضية التي شكلت رأي عام في غزة، يمكن البناء عليها لتعزيز مبدأ الردع وتحقيق العدالة.

ويعاني مجلس القضاء في غزة أزمة كبيرة على مستوى القضاء حيث أن عدد القضاة العاملين قليل بعد استنكاف جميع القضاة السابقين في العام 2007 وتعيين قضاة جدد ذوي خبرة يشكل معضلة حقيقية خاصة أن بعض المحامين الكبار وأساتذة الجامعات المؤهلين لشغل منصب القضاة يرفضون ذلك بسبب أزمة الرواتب.

وقد اعتبر رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار الحلبي أن أبرز المعيقات التي تواجه تشكيل المحكمة تتمثل في النواحي المالية والفنية حيث تحتاج إلى مقر ملائم وقضاة جدد وموظفين ورواتب واهتمام من نوع خاص من ناحية الحماية المتوفرة لهم كأشخاص لأنهم ينظرون قضايا شائكة قد تشكل خطرا عليهم.

وشدد على أن مجلس القضاء يسير في اتجاه توفير المكان ويجري التواصل مع الجهات المسؤولة لتعيينات قضائية جديدة.

وقال " نعد المشروع وخلال أيام سنرفعه كمقترح للجهات المختصة التي ستعمل على اصدار قانون بالمحكمة لإقراره ومن ثم تقوم الوزارات كل في مجالها بتوفير الاحتياجات اللازمة".

وأوضح أن المجلس التشريعي هو من يصدر القوانين وفقاً للإجراءات القانونية وسيتم العمل على تحقيق هذا المقترح المهم.

وحول عدد القضايا التي ينظرها القاضي الواحد يومياً أكد المستشار الحلبي أنه يعمل في المحاكم في قطاع غزة 44 قاضيا ينظر كل منهم فيما لا يقل عن أربعين قضية متنوعة يومياً، في حين أنه في الوضع الطبيعي يجب ألا تزيد القضايا للقاضي الواحد عن ثلاث يومياً، وهذا أحد أهم أسباب تأخير الفصل في القضايا.

التشريعي: القانون قيد الدراسة ونسعى لتخصيص عدد من القضاة مؤقتاً للبت بها

واعتبر أن عمل محكمة الجنايات إن توفرت الاحتياجات سيكون لها تأثير ايجابي على باقي المحاكم لأنه سيعفي باقي القضاة من النظر في هذه القضايا الشائكة، ما سيعطيهم المجال للتركيز في قضاياهم الأخرى.

مسؤولية مشتركة

وفي حين ألقى مجلس القضاء مهمة تشكيل المحكمة على المجلس التشريعي الذي من صلاحياته إصدار القانون، اعتبر التشريعي بدوره انه يوجد بعض الإجراءات التي يمكن ان يتخذها مجلس القضاء للتخفيف من الأزمة إلى حين تشكيل المحكمة.

د. نافذ المدهون مدير عام المجلس التشريعي الفلسطيني أكد أن المقترح موجود سابقاً في منظومة التشريعات والهدف الآن إعادة احياء الفكرة وإصدار قانون خاص بمحكمة الجنايات الكبرى، مطالباً بضرورة الإسراع في إقرار القانون.

وبين أن المقترح يخضع الآن للمناقشة بين اللجان المختصة في التشريعي، لافتاً إلى أن العمل يتم على مسارين الأول: العمل بإجراءات المحكمة لضمان سرعة تنفيذ الأحكام للقضاء على الأخذ بالثأر وتنفيذ القانون باليد. واعتبر أن المسار الثاني يتمثل في ان يخصص مجلس القضاء الأعلى عددا من القضاة للبت في جرائم القتل.

وأشار إلى أن الجهات المعنية تعمل بقوة وتدفع باتجاه تشكيل محكمة الجنايات للحاجة الملحة لها حالياً، ولا يوجد تعطيل او مماطلة في تشكيلها بقدر وجود التزامات لها علاقة بتشكيل فريق من القضاة وموازنة وبناء خاص بها، مشيراً إلى أن توفير هذه الالتزامات صعب في ظل تخلي حكومة التوافق عن التزاماتها.

الملفات المتكدسة في المحاكم منذ سنوات التي ساهمت في ازدياد معدلات الجريمة تستوجب من الجهات المعنية وتحديداً المجلس التشريعي ومجلس القضاء الدفع بكل قوة نحو تشكيل محكمة الجنايات الكبرى والتي ستساهم بشكل كبير في تخفيف أزمة القضاء منذ سنوات وتحرك جبالا من الملفات المتراكمة دون بت أو صدور أحكام بها.

البث المباشر