اثنان وخمسون عامًا، كانت كافية، لتبدأ أعراض الشيخوخة والهرم تغزو جسد حركة فتح كبرى فصائل العمل الوطني وأبرزها لوقت قريب، لاسيما أنها مرت بمنعطفات خطيرة على صعيديها الداخلي والخارجي، ألقت بظلالها على أدائها ومسارها، لاسيما بعد انخراطها في المسار السياسي عبر اتفاقية أوسلو وانزلاقها في أتون علاقة سياسية وأمنية مع الاحتلال الإسرائيلي.
وبوصف الفتحاويين أنفسهم، فإن الحركة تعيش اليوم في أقسى وأصعب انقسام لها على مدار مراحل تأسيسها، والاشتباكات التي وقعت بين عناصرها مؤخرًا في غزة خير شاهد حاضر!
عبد الحميد المصري القيادي في "التيار الإصلاحي" لفتح، أقرّ بأن الاشتباكات التي وقعت بين أنصار رئيس السلطة محمود عباس والنائب محمد دحلان تعبر عن حالة التشظي داخل الحركة، معتبراً ما حدث إثبات بأن الرئيس عباس فقد السيطرة على فتح، وأن الحركة برمتها لا تعنيه.
وأضاف في حديثه لـ "الرسالة نت": "ما جرى يثبت أن فتح لم تعد حركة واحدة، وأن هناك صنفين، الأول يريد بها تحرير فلسطين، والثاني يعمل على جعلها حزبا سلطويا يضم موظفي السلطة؛ لخدمة أهداف وأشخاص بعينهم"، وفق تصنيفه.
وتابع المصري: "لم نعهد طيلة انطلاقات الحركة هذا الحد من التشظي (...) فتح اليوم مختطفة، ويجب على الإصلاحيين أن يستردوها من خاطفيها"، وفق تعبيره، مؤكداً أن ما هو موجود اليوم "لا يعبر عن أهداف فتح ومبادئها".
قيادي بفتح: أهداف ووسائل الحركة تغيرت ومسارنا السياسي لم ينجح
أمّا عضو المجلس الثوري الأسبق لحركة فتح عبد الفتاح حمايل، فقال: "إن الأهداف والوسائل التي انطلقت عليها الحركة، قد تغيرت وتبدلت تمامًا"، مبيناً أن خيار الكفاح المسلح سقط عملياً من الحركة، وإن تبقى في أدبياتها.
وأضاف حمايل لـ "الرسالة نت"، أن الثورة الفلسطينية لم تنجح في الحفاظ على أهدافها واطروحاتها ووسائل نضالها الثورية طيلة المسار الزمني الماضي، معتقدًا أن أكبر خطيئة ارتكبتها الثورة هو قبول اتفاق أوسلو وما نتج عنه من خطايا بحق الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن فتح انطلقت على أساس تحرير فلسطين برمتها، وكان ذلك قبل حرب 67، التي فقدت فيها الضفة وغزة، قبل أن تتبنى الفصائل الوطنية عام 1973 برنامج النقاط العشرة، والتي وافقت فيه على إقامة دولة ديمقراطية موحدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأوضح حمايل أن فتح وصلت لمرحلة تبني خيار المفاوضات والتحرك الدبلوماسي كأسلوب معتمد، وتنحية الخيار العسكري، خاصة بعد إبعاد المنظمة عن دول التماس مع فلسطين المحتلة والتوجه إلى تونس "وكان قبول ذلك خطأ كبير"، وفق قوله.
المصري: فتح في حالة تشظٍ وهي مختطفة
وأكدّ أن الخيار السياسي الذي اعتمدته فتح كأسلوب رئيسي لم ينجح في تحقيق أهدافه، " وكان يجب أن يكون هناك تبنٍ لكل الخيارات في ظل تعنت الاحتلال". ورأى حمايل أن التنسيق الأمني جاء ضمن اتفاق شامل فرض على الفلسطينيين التعامل معه، بينما تنصل منه الإسرائيلي، مبيناً انه حالة لن تطول كثيرا "لأن الفلسطيني لا مصلحه له به".
وعرّج على واقع حركة فتح بعد انعقاد المؤتمر السابع الذي لم يراجع مسيرتها السابقة، مضيفاً أن الحالة الراهنة في التنظيم قائمة على التفرد، خاصة في ظل اقصاء عدد من أبناء الحركة بدون إجراءات تنظيمية صحيحة.
وتابع قوله" لو كان هناك خطأ لدى أي شخص بشكل وطني، يستوجب ذلك العمل على معاقبته في المحاكم، ولو كان تنظيميا فيعاقب في المحكمة التنظيمية، وليس باتخاذ إجراءات دون أسس تنظيمية وقانونية صحيحة".
ما سبق يشير إلى خطورة الخلافات الداخلية التي عصفت بالتنظيم، حيث وصلت إلى حد انعقاد المؤتمر السابع، واقصاء مناصري النائب المفصول من الحركة محمد دحلان، الذي تؤكد فتح رفضها التام لعودته، "كونه صفحة وطويت"، كما قال أحمد حلس عضو المركزية المنتخب للرسالة.