في السنوات الأخيرة، أصبح العشرات من الشباب الغزي وعائلاتهم يحزمون حقائبهم متجهين إلى تركيا للدراسة أو العمل، ومنهم من يتخذها قبلة له للذهاب إلى أوروبا بدلًا من الحياة الصعبة التي يعيشها مليوني غزي محاصرين.
ومؤخرًا، اختلف الأمر حينما قدم عدد من الأتراك للإقامة في غزة إما للدراسة أو العمل غالبًا، منهم الشاب "متين كايا" -25 عامًا- والذي يقيم في القطاع منذ أكثر من خمس سنوات يعمل فيها مصورًا صحفيًا، الذي تأقلم من الغزيين وتزوج منهم وأنجب طفلين.
التقت "الرسالة" كايا للتعرف على تجربته في غزة، وسريعًا ما عبر عن سعادته بالإقامة فيها والشعور وكأنه من أبنائها، فهو يشعر بالأزمات الغزية كحال الشباب لكنه يصر على البقاء فيها.
يقول وهو يلعب بكاميرته: "حينما قدمت إلى غزة واجهت صعوبة بسيطة في فهم اللهجة العامية رغم إتقاني للعربية كوني عشت قليلًا في مصر والسودان وسوريا"، وخلال الحديث كان بادًيا عليه إتقان اللهجة الغزاوية من خلال استخدامه للمصطلحات الشبابية.
ويحكي كايا، أنه لم يكترث للحصار منذ قدومه لغزة، فقد كانت تغريه المدينة المحاصرة بتفاصيلها الجميلة، ودومًا كان يخرج ليكتشفها حتى كون صداقات مع الشبان من مختلف المناطق وبات يعرف عاداتهم وتقاليدهم.
غنية بالثقافة والعلوم
وعن المرة الأولى التي شعر فيها الشاب "كايا" بالحصار كانت قبل عام حينما سجل في دورة تصوير في تركيا ولم يتمكن من السفر، وقتئذ شعر بالمعاناة الحقيقية وبات يطالب بحقه في السفر كبقية أقرانه.
ويتفاجأ كغيره من الشباب حينما يفتح معبر رفح ويرى عددًا من أصدقائه وصل تركيا، حينئذ يشعر بالحنين لوطنه، ويقول: "لا أرغب بالابتعاد عن غزة أو الاستقرار بعيدًا عنها، لكن أحيانًا أشعر بالضجر حينما لا أستطيع مشاركة عائلتي في تركيا مناسبتهم كالأفراح أو الأعياد".
وعن مدى التشابه بين غزة وتركيا، يروي الشاب التركي، بأنهما تتشابهان في العادات والطقوس وكذلك الأجواء المناخية، عدا عن الملامح بين البشر مما يشعره بالأمن والراحة.
ولأصحابه الذين يرحلون من بلدهم غزة هربًا من حصارها، يقول:" ابقوا في بلدكم فهي أولى لكم من غيرها".
وهنا حكاية أخرى لشابة تركت بلدها تركيا قبل خمس شهور لدراسة الماجستير في الصحة النفسية والمجتمعية، تحدثت رقية دمير _ 25 عاما- إلى "الرسالة" عن معيشتها البسيطة في القطاع المحاصر.
تقول:" لم يكن الأمر سهلًا حينما قررت المجيء إلى غزة، فكل ما أعرفه عنها أنها محاصرة وعاش سكانها ثلاثة حروب متتالية (..) تحمست كثيرًا حينما وصلت إلى القطاع وتعرفت على أصدقاء كثيرين ساعدوني في تدبير بعض الأمور".
وأوضحت، أن قرارها بإكمال دراسة الماجستير في غزة يعد صائبًا كونها ستتعرف على طبيعة المجتمع الغزي، عدا عن تعلمها للغة العربية أفضل من أي مكان آخر، مشيرة إلى أن خطوتها تلك شجعت خمسة طلبة أتراك ينوون المجيء إلى غزة خلال الشهور المقبلة لإكمال دراستهم.
وبلغة عربية، مطعمة بالنبرة التركية، أخبرت "الرسالة"، أن من يريد تعلم شيئًا جديدًا في الحياة عليه أن يأتي لغزة فهي رغم صغر مساحتها إلا أنها غنية بالثقافة والعلوم المختلفة.
وعن أكثر شيء لفتها في غزة، ذكرت أن محبة الناس ومساعدتهم لبعضهم ذلك ليس معتادًا في أي بقعة بالعالم، لكن ما استفزها كان استغراب عديد منهم كيف لفتاة في عمرها تعيش وحدها فأغلب من يقابلها يطلب منها الزواج، رغم إصرارها بأنها قدمت إلى القطاع من أجل الدراسة فقط.
وترغب "دمير" باستقبال عائلتها التركية في غزة واطلاعهم على العادات التي تشبه بحد كبير التركية، بالإضافة إلى تعريفهم على المطبخ الغزاوي الذي أحبت أكثر شيئًا فيه "الفتة" بحد قولها.
ولا ترى الفتاة التركية حرجًا في سفر الشباب الغزيين إلى تركيا من أجل الدراسة أو العمل فذلك حق لهم للاطلاع على ثقافة جديدة.