يقبع العشرات من طلاب الجامعات والأسرى المحريين في زنازين وأقبية تحقيق الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وذلك على وقع استمرار الملاحقات والاعتقالات في صفوف ناشطي انتفاضة القدس المندلعة منذ أكثر من عام.
مسلسل ملاحقة ناشطي الانتفاضة وقمع الحريات في الضفة من أجهزة أمن السلطة ومخابراتها، كان بارزاً خلال العام الماضي 2016، بخلاف الأعوام الماضية، وقد بلغت الانتهاكات والاعتقالات والاستدعاءات أكثر من 3175 انتهاكًا موثقًا.
ويعود ارتفاع وتيرة الاعتقالات السياسية والاستدعاءات التي تمارسها أجهزة السلطة ضد المواطنين في مدن الضفة، إلى تنامي وتيرة العمليات الفدائية ضد الاحتلال، وكذلك ارتفاع ملحوظ في التصدي للاحتلال أثناء اقتحامه المدن، في ظل وجود أكثر من 80 لقاءً سريًّا جرى بين قادة الشاباك (الإسرائيلي) وجهاز الأمن الوقائي للسيطرة على الضفة والقضاء على المقاومة.
وكشفت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا عن مجمل انتهاكات الأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة خلال عام 2016، موضحة أن عددًا ممن تم اعتقالهم واستدعاؤهم بلغ 2214 ناشطًا منهم 1125 حالة اعتقال، و1089 حالة استدعاء، تركزت ضد أسرى محررين من سجون الاحتلال وطلبة جامعيين.
سياسة التنكيل
وقالت المنظمة في إحصائية إجمالية لانتهاكات العام الماضي: "إن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في الضفة تنتهج سياسة التنكيل بالمواطنين، وملاحقة الناشطين الفلسطينيين المعارضين لسياساتها لدواعٍ سياسية بحتة"، وهو ما وثقته المنظمة بالأرقام.
ووثقت المنظمة الأجهزة الأمنية التي قامت بالاعتقالات في صفوف المواطنين، وقالت: إن جهاز المخابرات العامة الفلسطيني اعتقل خلال العام المنصرم 449 مواطنًا، فيما اعتقل جهاز الأمن الوقائي 563 مواطنًا، وجهاز الشرطة مواطنًا واحدًا، بينما لم توثق 112 حالة اعتقال لدى أي جهاز أمني".
وأوضحت أن من بين المستدعيين 399 أسيرًا محررًا، و620 معتقلًا سياسيًا سابقًا، فيما كان من بينهم 51 طالبًا جامعيًا، و30 صحفيًا، و22 معلمًا مدرسيًا، و12 طالبًا مدرسيًا، وطبيبان، إضافة إلى محاضر جامعي واحد.
كما تطرقت المنظمة إلى حوادث عدة تسببت بها الأجهزة الأمنية، كإحراق سيارة النائب حاتم قفيشة، والاعتداء على طلبة الجامعات الفلسطينية خلال إقامتهم لفعاليات نقابية في جامعات القدس والنجاح والخليل والبوليتكنك.
كما سجلت المنظمة تكرار الأجهزة الأمنية الاعتداء على المشاركين في مسيرات استقبال عدد من الأسرى المحررين من سجون الاحتلال، كما جرى خلال استقبال الأسير المحرر أحمد سامر دراغمة، حيث تم الاعتداء على المشاركين واعتقال 4 أشخاص.
ونوهت المنظمة إلى أن أجهزة السلطة لا زالت تستخدم أسلوب مصادرة الممتلكات لإجبار المواطنين على مراجعة مقراتها وتسليم أنفسهم، مبينة أن هذه الأجهزة تواصل استخدام أساليب التعذيب داخل أقبية التحقيق مع المعتقلين السياسيين لديها.
حملات أمنية مسعورة
بدوره، اعتبر القيادي في حركة حماس النائب باسم الزعارير، أن ارتفاع الاعتقالات السياسية واستمرارها، بحق الفلسطينيين وناشطي الانتفاضة، "وصمة عارٍ على السلطة" في ظل هجمات الاحتلال المتواصلة على الأرض والمقدسات.
وقال الزعارير في حديث لـ"الرسالة نت": إن الاعتقالات السياسية من قبل السلطة، حرفٌ متعمدٌ للبوصلة التي يجب أن تُوجه ضد الاحتلال وممارساته، بدلًا من أن توجه ضد المقاومين والمجاهدين من أبناء الشعب الفلسطيني"، منوهًا إلى أن استمرارها إهانةٌ للشعب ولتضحياته.
ووصف الحملة الشرسة التي تشنها أجهزة السلطة في الضفة بـ"المسعورة والتعسفية"، وأضاف: "إن هذه الحملة تهدد الانتفاضة وتدفع الساحة الفلسطينية إلى مزيد من الاحتقان والتوتر"، مشيراً إلى أن استمرار سياسة الاعتقالات السياسية بالضفة يتطلب من العقلاء في السلطة الفلسطينية إعادة النظر في تلك السياسة التي لا تخدم قضيتنا الوطنية، بحسب تعبيره.
خدمة مجانية للاحتلال
من جانبه، قال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بالضفة أحمد العوري: "إن استمرار الاعتقالات السياسية ضد ناشطي المقاومة في الضفة المحتلة وصمة عار على جبين السلطة وقياداتها"، وتابع في حديث لـ"الرسالة نت": "إن ارتفاع وتيرة الاعتقالات في الضفة، يدلل على حجم سياسة التنسيق الأمني بين السلطة وجيش الاحتلال في كبح انتفاضة القدس".
وشدد على أن الحملات الأمنية للسلطة بحق قيادات المقاومة بمثابة ضربة لانتفاضة القدس والشعب الفلسطيني الذي يواجه انتهاكات الاحتلال في الضفة والقدس المحتلتين.
وأكد العوري أن استمرار السلطة شن حملة اعتقالات سياسية لا مبرر له، وهو خدمة مجانية للاحتلال، الذي فشلت خياراته في وأد الانتفاضة، مشيرًا إلى أن اعتقال قيادات المقاومة وناشطي الانتفاضة يؤكد على دور الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في حماية الاحتلال ومستوطنيه.
وكان موقع "انتيليجينيس اون لاين" الفرنسيّ المتخصص في الشؤون الاستخبارية، والذي اقتبسه موقع (NRG) الإخباريّ-العبريّ، كشف النقاب عن تعاونٍ وثيقٍ للغاية بين جهاز الأمن العام الإسرائيليّ (الشاباك)، وجهاز الأمن الوقائيّ"، إلى حدّ أنّ ممثلي الطرفين عقدا ثمانين لقاء سريًّا، على الأقّل، خلال العام الماضي.