سأموتُ خلال سبعةِ أيّام.
وحتى ذلك الحين قرّرتُ أن أكتب. لا أعرف كيف يفترض بالكتابة أن تبدأ، الأرجح من مكانٍ كهذا.. حيث يورقُ كلّ شيءٍ بالشك. تبدو الكتابة وكأنّها الشيءُ الوحيدُ الذي أستطيع فعله. أريدُ أن أضع نقطةً أخيرة في السّطر الأخير، قبل أن يبتلعني الغياب.
لقد قررتُ أن تكون أيامي الأخيرة على هذه الشاكلة، أقصد: على شاكلة الكتابة، الكلمةُ كائنٌ هشٌ ومتهافت، إنها تشبهني. وأنا.. في أيامي الأخيرة، أريد أن أشبهني بقدر ما أستطيع، إنني أفعلُ ذلك من أجلي، هذه الأوراق، هذه الكتابة، هذا الجرحُ: لي أنا.
هذه الكتابة ليست توثيقاً لحياتي، ما فات لم يكن جديراً بالاهتمام، كل شيءٍ سبق وانتهى، وهذه الكتابة لا تفضي إلى مكان، ولا أعتقد بأنني قد عشتُ حياةً تستحق أن تؤرّخ، إنني أكتبُ لكي أكون واضحةً معي، وحيدةً معي، مليئة بي، هذه الكتابة لا تداوي، بل تُميت،الموتُ جيّد، وأنا أريده من كلّ قلبي.
في البداية يمكنك ان تعتقد أن هذه الرواية تقليدية تتحدث عن سيدة عربية تزوجت تقليديا وعاشت حياة عادية، ولكن المأساة تبدأ حينما تفقد هذه السيدة ابنها بإهمالها، وغرقه أمام عينيها، وكيف صنع بها الحزن وتأنيب الضمير لاحقا ما صنع .
وكيف تغيرت حياتها، وكيف هي مراحل الاكتئاب النفسي الذي مرت به بعد فقدان ابنها، وفي كل عام في موعد وفاة ابنها تحضر نفسها للموت وتنتظر القدر بأن يأخذها، في مرة تكون قوية، وفي مرة تكون ضعيفة، وحالة الإحباط الشديد الذي تمر به البطلة والهواجس بتفاصيلها الدقيقة والسوداوية التي تعيشها حينما تبدأ الكتاب، بأسلوب رائع جدا .
وتبقى البطلة تكتب ثم بعد خمس سنوات تبدأ برؤية الأشياء الجميلة التي يمكن أن تكون سببا للحياة، مثل الأهل والاخوة والزوج الصامت التقليدي، فتبدأ بنزع حزنها في السطر الأخير من الرواية ، والرواية متميزة بأسلوبها القوي ودمجها للمعلومات والأساطير بين السطور، وتنتهي بنهاية مفتوحة.
الرواية فيها طابع فلسفي ففي طريقها للعالم السفلي عليها المرور عبر سبع بوابات، وعندما تعبر البوابة السابعة على عتبة الرحيل الأخيرة ترى العدم يبرق ويشع ويمتص روحها، ولكن هناك شرطا لدخول هذا العالم، وهو أن تخلع عنها جرحها الصريح، أي ولدها وذكراه، فهل تستطيع الأم أن تكون خارج هذا الجرح.
وتستمر المناجاة كي تتخلص عائشة من جرحها، «لن يكتب لك الخلاص إلا بتجاوزك لنفسك فأطلقي روحه الحرة» لتصل من بعدها للإيمان أنها ليست بحاجة للموت كي تشعر بكل هذا، عندها فقط قالت سأكف عن الكتابة وأذهب لتجربة العالم. وبهذه النهاية يشعر القارئ أن الكاتبة تدعوه للعيش، رغم كل ما يواجهه من مصاعب وأحزان بأسلوب خطابي يستدعي منه جهداً خاصاً أثناء قراءة أحداث الرواية.
بثينة وائل العيسى روائية كويتية ولدت في 3 سبتمبر 1982.
حاصلة على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال - تخصص تمويل، كلية العلوم الإدارية –صدر لها رواية ارتطامٌ .. لم يسمع له دوي ، سعار – عروس المطر، وتعتبر رواية كبرت ونسيت ان انسى اشهر رواياتها .