رشا فرحات
هناك ما يسمى الخرس الزوجي، وأنا أسميه الخرس العائلي، وهو شح في التعبير عن المشاعر، وشح في تبادل كلمات وتعبيرات ونظرات الإعجاب بين أفراد العائلة الواحدة.
ونحن بصراحة في مجتمعنا نعيش حالة من الخشونة، لا نعبر عن مشاعرنا وإعجابنا بالآخر، ربما تحفظا، وربما خوفا من القيل والقال، وربما تكون زيادة في نسبة الجفاف- والجلافة- لا أدري لماذا أشعر دومًا أننا أقرب للقساوة منها للرقة، لكن إذا كان التعبير فيه بعض الجفاء والسخرية والانتقاد السلبي، ترانا نتسابق لنعبر ونحكي بصراحة، طيب والكلام الحلو، مالوش نفس يطلع هو الآخر؟؟!!!
وبصراحة يعجبني المجتمع المصري في هذه القضية، فرغم همومه ترى لسانه مليء بالكلمات الجميلة الرشيقة المليئة بالمديح، صباح الخير يا جميل، منور يا ورد، ازيك يا قشطة، مع ابتسامة مفرودة في عرض الوجه.
في مجمتعنا غلبنا التحفظ لدرجة أنني لو قمت بالسلام على زميل أو قريب بابتسامة، ربما يحسب لها ألف حساب، أما اذا مدحت ملابسه الجديدة، فهذا أكيد أكيد نوع من أنواع الغزل !!!
وعلى الصعيد الزوجي، تعجبني المرأة السورية، يا عيني على جمال اللسان والدلال، على الطالعة والنازلة: منور ابني عمي، تقبر قلبي، سيدة ودودة بحق، لطيفة مبتسمة على الدوام !
الأمر لا يقتصر على المرأة، أصلاً هو مطلوب من الزوج، لأنه الرجل، وهو أكثر جرأة ، والله أنا أعرف أزواج لا تعرف زوجاتهم ما الذي يحبونه وما الذي يكرهونه، صامتون تجاه كل شيء، لا يعبرون بالرضى والإعجاب ولو بابتسامة، بخل وشح عاطفي على الدوام، مهما غيرت المرأة ومهما فعلت في شكلها وبيتها لا تقابل إلا بالصمت الزوجي، ولا يظهر على ملامحهم أي تعبير، يا لطيف يارب، ما معنى أن يصبح الرجل زوجته ويمسيها بوجه ممدود مترين الى الأمام؟؟ !!
أما إذا صارت المصيبة و انتقلت العدوى للزوجة فأنا أحب أن أبشرك عزيزي الزوج، نكد النساء لا يرحم لأنه في الغالب ناتج عن صبرها على نكدك وتجاوزها في الكثير من المرات، المرأة ليست عاشقة للنكد بطبعها، والمفتاح في يدك أنت، فإن فرضت خرسًا في البيت وسلبية في التعبير عن المشاعر، ستنتقل هذه الصفة للجميع، وتورثها لأبنائك من بعدك، وتصبح كل المشاعر متساوية، الهم والفرح والفشل، لا يوجد أي تحرك أمام أي شيء، فما هذه الحياة التي تخلو من " الأكشن"
والخرس في التعبير عن العواطف في داخل البيت الواحد مشكلة كبيرة، يكبر كل منا دون أن يعلم الآخر عن سر حبه، ومشاعره، وما أعجبه وما لم يعجبه، يكبر الأبناء وهم خجلون خجل أمهم وبخل والدهم في التعبير عن ما يسكن صدورهم من خوف أو حزن أو ألم أو فرح ، فيكتمون كل شيء، ولا يقدرون في ساعة فرح على احتضان أمهم لأن هذا عيب، ولم يكن دارجًا في المنزل، ولا يقدرون في ساعة إعجاب أن يقولوا لوالدهم أنت أب عظيم، لأن هذا لم يكن دارجًا أيضًا، نكتم في قلوبنا كل مشاعرنا ومن ثم احتياجاتنا لأننا نخجل، أو لأننا نتكبر، أو لأنه لا يجوز ذلك وعيب، فيكبر أبناءنا ونرحل عنهم دون أن نستمتع بكلمة "أحبك" ، تلك التي نظل طول العمر في انتظارها، فأي حياة هذه ؟؟ّ!!
إذا أحببتهم قل لهم، وأكد ذلك، ثم كرر مائة مرة، حتى يصدقوك، وإذا صدقوك سيشعرون بالثقة، واذا شعروا ستصبح قلوبهم دفاتر مفتوحة أمامك فلا تتردد، وصدقني، الحياة تنتهي فجأة، في دقيقة، وأكثر ما نندم عليه هو الكلام الجميل الذي أجلناه حتى ضاعت الفرصة، وأنت لا تعلم، ماذا تفعل كلمة أحبك في قلب انهكته أوجاع هذه الحياة !!