عادت قيادة الاحتلال الإسرائيلي إلى أساليبها القديمة في الهروب من الأزمات الداخلية، ومحاولة إشغال المجتمع الإسرائيلي في قضايا جانبية؛ للتغطية بالقدر المستطاع على إخفاقها الكبير الذي تكشّف في تقرير المراقب العام للدولة العبرية حول الحرب الأخيرة على قطاع غزة 2014.
المتابع لسلوك القيادة الإسرائيلية بعد تسريب صحيفة يديعوت احرونوت قبل أسبوع ما وصفته بـ "النقاش الحساس" بين قيادة الكابينت أثناء الحرب، يلاحظ أنها تعمل على تصدير أزماتها إلى الخارج، بأسلوب مدروس بعناية، تشترك فيه المستويات السياسية والأمنية على السواء.
ومع موافقة الكنيست على نشر تقرير مراقب الدولة يوسف شابيرا، بعد مروره على المستويات الأمنية؛ لإزالة أي مواد يمكن أن تضر بأمن الدولة، تصاعدت سياسة الاستفزاز، وحدة الاحتكاك الإسرائيلي بالفلسطينيين بالضفة وقطاع غزة.
الهروب الإسرائيلي نحو الضفة كان بزيادة الانشطة الاستيطانية على نحو غير مسبوق، والكشف عن مشاريع احتلالية تمثل المصادقة عليها وإقرارها نسفا للتسوية التي ينشدها الطرفان، بشكل قد يلفت الانتباه إلى الخطورة المترتبة على ذلك، مستغلة في الوقت نفسه تغيّر الإدارة الأمريكية الجديدة التي أعلنت الانحياز لـ ((إسرائيل)) مباشرة.
فالأسبوع الذي أعقب الكشف عن نقاشات وردت في تقرير مراقب الدولة، شهد الإعلان عن مقترح ضم مستوطنة "معاليه ادوميم" إلى القدس المحتلة، وسريان القانون الإسرائيلي عليها، ثم الإعلان عن بناء مئات الوحدات الاستيطانية، وليس انتهاء بمشروع مواصلات "عملاق" في الضفة كشفت عنه يديعوت، واعتبرته بمنزلة "ضم غير معلن، لكن واقعي للضفة إلى الكيان".
وبموازاة ذلك، يتعمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إطلاق تصريحات متشددة، تتعلق في مجملها بمستقبل المفاوضات مع السلطة الفلسطينية؛ لصرف الأنظار عن تقرير "شابيرا" المتهم فيه بسوء تقدير خطورة أنفاق غزة، والاستهانة بمقتل جنوده وأسر آخرين أثناء الحرب، وللتغطية أيضا على قضايا الفساد والرشاوي التي تلاحقه ويتواصل التحقيق معه بشأنها.
المسار الثاني للهروب كان نحو غزة بالتلويح بمواجهة جديدة "ستكون الأقوى، ولن تنتهي إلا برفع المقاومة الفلسطينية الراية البيضاء"، كما صرح وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، الذي زار غلاف غزة وصرّح مرة ثانية بأن "الهدوء هنا مضلل وخادع"، وأن "المواجهة المقبلة لن تتوقف في المنتصف، وإن هذه التوجيهات تلقاها الجيش الآن ويجب أن تكون الحرب في صورة قوية جداً قدر الإمكان"، وفق قوله.
هذه التصريحات ليست جديدة من ليبرمان منذ توليه وزارة الحرب، لكن مناسبتها تعكس حجم الإخفاق والإحراج الذي تنتظره مؤسسة الجيش حتى نشر تقرير مراقب الدولة، من ناحية فشلها في التعامل مع تحدي المقاومة بقطاع غزة.
ويستدل على ذلك ببدء الحديث عن "رائحة انتخابات" قادمة في ((إسرائيل)) على ضوء هذا الإخفاق، واستباقا لنتائج التحقيق في فساد نتنياهو، والتلويح في الوقت نفسه بأزمة قيادة يمر بها الكيان العبري.
التقدير أن تقرير شابيرا سيؤجج الجدل داخل ((إسرائيل))، ولن يكون مثل تقرير فينوغراد بشأن حرب لبنان 2006، في تحميل المستوى العسكري دون السياسي مسؤولية الفشل، إنما سيطال جميع المستويات، بدليل "النقاش الحساس" الذي سرّبته يديعوت، وقد يكون مصير نتنياهو مرتبطا به، هذه المرة.