لعرقلة أي حلول سياسية، ينشط الاستيطان في أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلتين، فبينما كان ينشغل السياسي الفلسطيني بمشاريع التسوية، كان الاحتلال ينشط في هدم المنازل الفلسطينية وبناء الوحدات الاستيطانية بديلا عنها.
وتشير الدراسات إلى أن عدد المستوطنين في الضفة تضاعف 600% منذ توقيع اتفاقية (اوسلو) عام 1993، حيث قفز من 100 ألف مستوطن الى 600 ألف.
وجاء مشروع القرار الاسرائيلي الجديد الذي أقره الكنيست الإثنين الماضي لشرعنة ما تمت إقامته من بؤر استيطانية، وما سيتم بناؤه لاحقا، ولفرض سيطرة تامة على الضفة، حيث تجاوز مشروع القرار قضية التفاهم حول تبادل الاراضي بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، والتي لا تزيد على 2%، وفق ما يطرحه الجانب الفلسطيني.
ويتحدث القانون الجديد عن "تسوية البؤر الاستيطانية"، ويعرف الاحتلال البؤرة على أنها بناء مدني أو شبه عسكري، لم يتم اقرار إنشائه، وقد تتوسع وتتحول إلى مستوطنة كبرى، وبالتالي فإن القانون الجديد شرعن هذه البؤر التي يزيد عددها في الضفة عن 176 بؤرة.
على الأرض تجاوز الاحتلال كل التفاهمات واتفاقية اوسلو، وقد اعترف رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بأنه لن يعطي الفلسطينيين دولة كما نصت (اوسلو) بل سيعطيهم دولة ناقصة.
ويعيش أكثر من 600 ألف يهودي في نحو 184 مستوطنة بنيت منذ الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية عام 1967، وهي أراض تتطلع السلطة الفلسطينية إلى إقامة دولة عليها.
ويعترف عضو الكنيست السابق يشعياهو بن فورت في مقال سابق نشر في صحيفة يديعوت العبرية " قائلا "إن الحقيقة هي أن لا صهيونية بدون استيطان، ولا دولة يهودية بدون إخلاء العرب ومصادرة أ راضيهم وتسييجها"
وينتهج الاحتلال فلسفة أساسها الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، بعد طرد سكانها الفلسطينيين بشتى الوسائل بحجج ودعاوي دينية وتاريخية باطلة، وترويج مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وجلب أعداد كبيرة من يهود الشتات من مختلف أنحاء العالم، واحلالهم بدلاً عن الفلسطينيين.
وتؤكد دراسة أعدتها وزارة العمل في رام الله عام 2013 أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ميزت المستوطنات بسياسات اقتصادية (إسرائيلية) خاصة بها تختلف عن السياسات الاقتصادية العامة للدولة العبرية، حيث تم دعم المستوطنات مالياً، وقد أثبتت السنوات الثلاثون الأخيرة أن المستوطنات آخذة في الازدهار بالتوازي مع تقليص دولة الرفاه داخل (إسرائيل).
سياسة الاستيطان التي تكلف سكان الضفة غاليا نتج عنها بحسب صحيفة هآرتس العبرية تدمير 780 منزلاً في المناطق (ج) في الضفة الغربية خلال العام المنصرم 2016م.
وأوضحت الصحيفة، أن عدد الأشخاص الذين فقدوا منازلهم نتيجة ذلك بلغ 1129 شخصاً، مشيرةً إلى أن عدد المنازل التي تم تدميرها في المنطقة (ج) عام 2015، بلغ 453 منزلاً، ما تسبب بفقد 580 فلسطينياً أماكن سكنهم.
وتشير الصحيفة إلى ازدياد عدد المباني التي تم هدمها في القدس بـ 125 منزلاً، مقارنةً بـ 78 منزلاً تم تدميرها في القدس في العام الذي سبقه، ما أدى لفقد 164 مقدسياً منازلهم، مقارنةً مع 108 أشخاص من أبناء القدس فقدوا مساكنهم جراء هدمها عام 2015.
الإجراءات الاحتلالية الاستيطانية المستمرة اتجاه الأراضي الفلسطينية، والتي تتعارض بشكل واضح مع مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص، كان لها أسوأ الأثر على الشعب حيث كانت تداعياتها واضحة في جميع مجالات الحياة السياسية والديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ففي المجال السياسي تشير دراسة وزارة العمل إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تهدف بزيادتها لوتيرة الاستيطان الى التأثير في الحلول السياسية والتحكم فيها، ووضع العراقيل أمام الحلول التي ترفضها (إسرائيل)، وبالتالي منع التوصل إلى تسوية تسمح بإقامة كيان فلسطيني ذي سيادة.
أما على الصعيد الأمني فالشعب الفلسطيني يدفع يومياً ثمن بقاء هذه المستوطنات، من خلال ما يتعرض له من عمليات قتل وتدمير ممتلكات ومصادرة أرض لصالح المستوطنات، التي يعتبرها الاحتلال نقطة الارتكاز الأولى في حربها التي تشنها على الشعب الفلسطيني.
وعلى صعيد الاقتصاد فتنتهج الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة تهدف لتدمير الاقتصاد الفلسطيني بكل عناصره، من خلال منع اي عمليات تنمية عبر دعم وتشجيع إقامة اقتصاد في المستوطنات مواز له، بحيث يكون أكثر تطورا منه، ويكون منافساً شرساً للاقتصاد الفلسطيني.
بينما تتعرض البيئة الفلسطينية الى انتهاكات متعمدة ويومية تؤدي الى استنزاف مصادرها الطبيعية وتلويثها، وبالتالي فقدان التوازن البيئي والقضاء تدريجياً على قطاع الزراعة من الاحتلال الاسرائيلي.
وتتمثل هذه الانتهاكات في تأثير النفايات الصلبة والسائلة والغازية للمستوطنات ومصانعها، وفي تخزين النفايات النووية والكيماوية للمصانع (الإسرائيلية) في أراضي الضفة، إضافة الى سرقة الاحتلال التربة والصخور الفلسطينية.
ويتوقع مراقبون ألا يكون للسياسيين دور إذا ما تم اقرار مشروع شرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة، باعتبار أن سياسة الاحتلال تدفع الشعب الفلسطيني الى خندق المقاومة من حيث لا تعلم بسبب إجراءاتها التعسفية في مصادرة الأراضي، وتشريد سكانها.