لم يمضِ موقف تسجيلها في دورة تلاوة القرآن الكريم في المسجد القريب من بيتها، واجتماعها بعدد كبير من النساء والفتيات المتعلمات اللاتي عرَّفت كل واحدة منهن عن نفسها وتخصص دراستها ومستواها التعليمي عبثًا، فوجدت نفسها الوحيدة من بينهن التي لا تحمل أي شهادة بحكم زواجها وهي تبلغ ثلاثة عشر عامًا.
شعور بالإحراج والخجل انتاب البيبي أمام نفسها، فقررت من لحظتها انسحابها من الدورة وإكمال تعليمها، وقد وصلت لما تصبو إليه، حين قالت عزيمتها: نعم!
التقت "الرسالة نت" بالبيبي لتروي لها قصة تحديها للمستحيل وتحدثها عن رحلة الألف ميل والخطوة الأولى الواثقة، تقول: "لم أنتظر لحظة، فتوجهت يومها إلى وزارة التربية والتعليم للاستفسار عن إجراءات بدء الدراسة واضعة في نفسي أن أتحدى كل العوائق التي ستوضع أمامي"، وأردفت: "التحقت ببرنامج محو الأمية، وكنت مميزة بجدي واجتهادي، فحصلت على شهادة السادس الابتدائي وشهادة المرحلة الاعدادية التي أهلتني للتقدم لمرحلة الثانوية العامة".
وفيما يتعلق بمرحلة الثانوية العامة، تشير إلى أنها بالجد والاجتهاد تغلبت على الصعوبات التي واجهتها خاصة في المواد التراكمية، فلم تترك بابًا للفهم إلا وطرقته واستعانت بأساتذة كثيرين لتتجاوز ذلك، لتنجح البيبي وتتخطى عقبة التوجيهي التي تشكل رعبًا وعقبة كبيرة لكثير من الطلبة النظاميين على حد قولها، وتلتحق بقسم الترجمة في جامعة غزة.
صعوبة البدايات
"بعد ما شاب، ودوه الكتاب" كلمات قيلت للبيبي لتنقص من عزيمتها وإرادتها، متناسين بأن كلامهم واستهزاءهم لم يزدها إلا تحديًا وإصرارًا كي تصل، تتابع: "كنت أسمع كثيرًا عبارات من أناس ظنوا أنهم سأتوقف، ولكنها كانت الدافع الأكبر بأن أستمر فكانت العزيمة تتغلغل في نفسي أكثر، ولم أتراجع خطوة إلى الوراء ولم أفكر للحظة أن ألتفت لهم عند سماعي لعبارات السخرية سيما في بداية مشواري، فقد قيل لي كثيرًا "انجحي بسادس عشان نجيب لك جائزة" ولكني تجاوزت هذا الأمر بالاستعانة بالله وكنت أردد دائمًا سأكون يومًا ما أريد".
وعن أكثر المشجعين لها تذكر البيبي: "زوجي أكثر من شجعني لتخطي العقبات والصعوبات وكان سندًا لي، رغم تخويفي في بداية مشواري من قبل كثير أنه لن يقف معي إذا وجدني مقصرة في بيتي خاصة وأن لدي خمسة أولاد يحتاجون لرعاية كبيرة، وكنت أستمد أيضًا عزيمتي من أخي الذي كان أسيرًا في سجون الاحتلال طوال فترة تعليمي، فقد كان يهاتفني دائمًا ليبث الإصرار في نفسي ويذكرني أني امرأة فلسطينية ويقصد بذلك أنه ليس هناك عوائق تقف أمام إرادتي".
في كل نشاط جامعي وكل نادٍ للغة الانجليزية وفي كل مؤسسة تعنى باستقبال الوفود الأجنبية ترى للبيبي بصمة، كيف لا وهي التي قال عنها أستاذها الجامعي يومًا: "الآن اطمأنت نفسي أن مترجمة محترفة ستتخرج على يدي"، حدث ذلك حين كان لبيريز خطاب مهم فطلب من الطالبات أن يلخصوه ثم يترجموه محددًا لهم عدة أيام لتأتي في اليوم التالي وقد ترجمته كاملًا ترجمة احترافية.
وأردفت: "اختارني أحد أساتذتي في الجامعة وأنا في المستوى الرابع؛ كي أحضر مؤتمرًا باللغة الإنجليزية وكنت أظن أنه أرسل لطالبات غيري، ففاجأني عند وصولي بأنني الوحيدة التي أرسل لي دعوة للحضور، وأنه اختارني لأقف مترجمة للوفد، ترددت في البداية ولكن الثقة التي رأيتها في عيون أساتذتي جعلتني أقف بكل شجاعة وعندما انتهيت انهالت علي عبارات التشجيع والثناء على أدائي من الحضور وجلهم أساتذة جامعات ورجال أعمال
العمل والأمنيات
تقول البيبي: "لن أكتفِيَ بحصولي على شهادة البكالوريوس ولن تثنيني أي ظروف عن إكمال الماجستير والدكتوراه، فإني أشعر أن على عاتقي مسؤولية المواصلة لأكون قدوة لكل من سار على هذا الدرب، ومن يعتبرني وقودًا لعزيمته بتشجعيه لتجاوز كل العقبات، سيما وأن كثيرًا من الذين يفكرون في الالتحاق ببرامج محو الأمية يتواصلون معي بعد سماعهم لقصة كفاحي".
لم تكترث البيبي للظروف السيئة التي يمر بها قطاع غزة والبطالة التي تنهش بالخريجين، فقد تحدت هذه الظروف وصنعت لنفسها فرصة حين لجأت إلى العمل الحر، ولكنها تأمل أن تهتم وزارة التربية والتعليم بهذه الشريحة بتوفير فرص عمل لهن؛ لتحقيق ذواتهن ويكون لهن كيان في المجتمع.
"فعلتُها" كلمة قالتها البيبي نهاية اللقاء ودموع الفرحة تغلبها، حين أشارت إلى شهادة تخرجها من الجامعة مدركة أنها ليست مجرد ورقة بل قصة كفاح طويلة.