الآن بإمكان "دافيد ويهودا"، العائدين من مدرستهما الدينية على طريق القدس الإشارة فقط سبابتهما على أي تلّة مرتفعة تعجبهما وحثّ قادة اليمين -المتحفّزين أصلاً -لإقامة بؤرة استيطانية جديدة على غرار مستوطنة "عمونا".
وكان "الكنيست" قد صادق مؤخراً على قانون "التسوية" الذي يمنح الاحتلال حق مصادرة أي أرض فلسطينية خاصّة يحمل صاحبها أوراق الملكية وتبعها قانون منع الأذان في القدس ما يبشّر بعهد جديد من تغوّل الاستيطان يحمل انعكاسات وتداعيات متلاحقة من يومها.
ومن أحدث تفاعلات القضيّة إلغاء المستشارة الألمانية "ميركل" القمة المقررة مع "نتنياهو" رئيس وزراء الاحتلال لعدة أسباب على رأسها "قانون التسوية" لكن القضية التي انتقدتها أطراف عدة تؤثر بدرجة أساسية على الفلسطينيين ومؤسساتهم.
استيطان شامل
القليل من التأمّل بإعادة عجلة الزمن للوراء حتى سنة 1967 يؤكد أن الاحتلال لم يكن يوماً بحاجة لتشريع الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية لكن ما وقع بإقرار قانون المصادرة الجديد يجسّد مصادرة تعسفية ولكن بربطة عنق مهداة من "الكنيست".
بداية الحكاية هي من محاولة المستوطنين السيطرة على تلّة من أراضي سلواد بالقدس تطل على شارع مهم ووضع "كرفانات" فوقها رغم امتلاك أهلها الفلسطينيين أوراق ملكية وكسبهم قضية ضد استيطانها مكثت في القضاء عشرين سنة.
ويقول د. جمال عمرو الخبير في شئون الاستيطان والقدس أن الضفة على أبواب مرحلة جديدة تسمح للاحتلال التمدد في 63% من مناطق " C "، وأن المشهد السياسي العربي والفلسطيني لا يؤثر على تغوّل الاستيطان رغم الانتقادات المتلاحقة لقانون "التسوية".
ويضيف: "ستكون 2017 و2018 سنتا انقلاب في الذهن الفلسطيني والعربي، ونترقب تحوّال غير مسبوق في الجيل الفلسطيني الجديد الذي يؤكد أنه لا يعترف بكامل الوجود الإسرائيلي وهذا لن يروق لنتنياهو ومستوطنيه".
الجديد أن اليمين المتطرف أجرى التفافاً على المحكمة العليا حين حصل في فبراير الجاري على موافقة "الكنيست" على تشريع الاستيطان، وأن حالة من الوجوم تسيطر على رئيس السلطة وفريقه حين شاهدوا وأد مشروع السلام من خلال قانون التسوية وأن حل الدولتين بات مستحيلاً.
ويؤكد د. أحمد رفيق عوض المحلل السياسي أن القوى السياسية الآن في (إسرائيل) تتجاوز كافة القوانين المحلية والدولية، وأن قانون "التسوية" قتل حل الدولتين بترك 18% فقط من الضفة، وهي مناطق فلسطينية مزدحمة كثير الأعباء لا تشكل أهمية استراتيجية.
ويتابع:" إدارة ترامب لا تعارض سياسة (إسرائيل)، بل خطتها تقوم على التحالف مع العرب للضغط على الفلسطينيين واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي قالت إنها ستذهب للمحاكم الدولية ولابد أن يكون لها غير المحاكم خطوات أخرى".
تشريع الاستيطان
على سكين الجزار المستوطن ستكون القدس وضواحيها أولى الضحايا ثم سينتقلون لبقية مناطق الضفة لكن الضربة القاضية ستظل في القدس ضمن توافق " ترامب ونتنياهو" اللذين أكدا أن القدس غير قابلة للتفاوض.
ويحذّر د. عوض من تبعات القرار التي بدأت تشعل الضفة المحتلة باغتصاب الأراضي، ولكن هذه المرة بشرعية إسرائيلية تدعمها مؤسسات رفيعة. ويتابع: "قديماً كان الاستيطان يجري بعقود صورية أو تزوير أوراق أو سمسرة لكنه الآن أصبح من خلال الكنيست والمحكمة العليا ومؤسسات القضاء وقد يطرحون استبدال أرض مقابل أرض أو مقابل مال على غرار النموذج القبرصي".
الحلم الصهيوني بدولة من النيل إلى الفرات لم يغب كاملاً، فتأثير (إسرائيل) الآن ممتد في العراق ومصر ودول الجوار لكن فشل الاحتلال حسب توقع الخبير عمرو في تهجير الفلسطينيين مثل تهجير الهنود الحمر دفعهم لعقد اتفاق "أوسلو" الذي وفّر حل وهمي للفلسطينيين بينما تواصل الاستيطان على مرأى العالم كله.
ويرى الخبير عمرو أن اتفاق "أوسلو" منح السلطة أرض وامتيازات وهمية لا تصلح لإقامة دولة فيما لازال الاستيطان يتمدد فوق 63%من الضفة ومع صعود اليمين المتطرف مؤخراً تجرّأ "نفتالي بينيت" الوزير الإسرائيلي ليقول لـ"نتنياهو وترامب، لا تستخدموا مصطلح حل الدولتين".
قديماً كانت المصادرة بعيدة عن زوبعة الإعلام لكن الخلاف الذي وقع في مستوطنة "عمونا" بين التيارات الدينية والمستوطنين اضطرهم لزيارة المحكمة العليا ثم الكنيست وانتهى بتشريع هذا الشكل من اغتصاب الأراضي الفلسطينية في وقت يتهافت فيه العرب لخطب ودّ الاحتلال.