بعد تلاشي فرص

5 سيناريوهات بديلة لتصفية القضية الفلسطينية

غزة-شيماء مرزوق

تلاشت فرص حل الدولتين في السنوات الأخيرة التي استباحت فيها (إسرائيل) الأراضي الفلسطينية، ودمرت فرص قيام الدولة من خلال الاستيطان الذي سيطر على 60% من الضفة الغربية، وذلك بعدما جعلت فرص التواصل الجغرافي بين الضفة وغزة مستحيلة.

وبقي العالم متمسكا بهذا الحل دون أن يقدم أي خطوات عملية تجبر الاحتلال على المضي قدماً في عملية التسوية، رغم إدراك الجميع أن فرص الدولتين باتت مستحيلة بفعل سياسة الأمر الواقع.

وجاءت الإدارة الامريكية الجديدة برئاسة دونالد ترمب لتعلن أنها لم تعد ملتزمة بحل الدولتين كإطار وحيد للتسوية، ولن تفرضه على (إسرائيل)، لكنها ملتزمة بالعمل من أجل تحقيق "السلام"، وتعتبر هذا الهدف من ضمن أولويات سياساتها في المنطقة.

إلغاء حل الدولتين يعتبر تخليًا عن ركن من أركان استراتيجية الإدارات الأميركية السابقة، خصوصًا منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، مثلما أنه يعتبر تجاوزًا لكل القرارات الدولية في شأن حل النزاع العربي -"الإسرائيلي" التي نصت صراحة على دولتين.

ورغم إدراك السلطة الفلسطينية ان قيام الدولة غير وارد حالياً إلا أنها لا تزال تتمسك به وبعملية التسوية.

والمتابع للتصريحات الأمريكية والإسرائيلية وبعض الجهات الدولية يدرك أن حل الدولتين بات من الماضي، وأن حجم التداول الإعلامي للقضية الفلسطينية مؤخراً ربما يهدف إلى ترويض الرأي العام الفلسطيني والدولي نحو حلول بديلة لم تكن مقبولة سابقاً.

ويمكن طرح خمسة سيناريوهات للحلول البديلة المتوقع طرحها كبديل عن حل الدولتين:

السيناريو الأول: الدولة الواحدة: وهو سيناريو بدأ في التداول مع تصاعد الهجمة الاستيطانية في الضفة الغربية والتي حولتها إلى كنتونات منفصلة ما جعل السلطة تهدد بحل نفسها والتوجه نحو الدولة الواحدة.

لكن هذا السيناريو يقلق (إسرائيل) وهو ما دفع كثيرين داخلها وخارجها إلى التحذير من أن إلغاء حل الدولتين سيضعها في مواجهة تحد كبير في كيفية التعامل مع الفلسطينيين ضمن دولة واحدة، خاصة في ظل الصراع الديموغرافي، حيث يتوقع أن يصبح الفلسطينيون أغلبية، ويصبح النظام في (إسرائيل) نظام أقلية يهودية، ما يجعلها تواجه عزلة حقيقية وامتحانًا لوجودها أكبر من أي وقت مضى، وهذا ما يجعل قبولها به مستبعد لأنه يهدد مبدأ يهودية الدولة الذي تعمل عليه.

السيناريو الثاني: غزة-سيناء: ويعتبر هذا المشروع قديما جديدا فهو مطروح منذ خمسينيات القرن الماضي لكنه لم يكن مقبولا من الطرف الفلسطيني الذي أصر على إقامة الدولة في الأراضي الفلسطينية.

وفي الحقيقة فإن مشروع غزة سيناء حاضر بقوة في العقل والفعل الإسرائيلي، فسياستها في السنوات الأخيرة تدفع غزة تدريجياً نحو سيناء معتقدة أنه سيكون حلا مناسبا للأزمات التي يعاني منها القطاع المنفجر سكانياً والذي سيحتاج مع مرور السنوات إلى التوسع والتمدد الجغرافي، خاصة في ظل الترابط الجغرافي والسياسي بين غزة وسيناء.

السيناريو الثالث: وهو العودة لما قبل العام 1967 وإعادة قطاع غزة للسيادة المصرية بينما ما تبقى من الضفة الغربية يخضع للسيادة الأردنية، فيما تخضع القدس لإشراف دولي أو إيجاد تفاهمات خاصة حول الحرم الشريف فيها.

وربما ما كشف عن قمة إسرائيلية مصرية أردنية عقدت قبل عام في الأردن لمناقشة التسوية الفلسطينية يدفع باتجاه العودة لهذا السيناريو مع بعض التعديلات والترتيبات الأمنية بين الأطراف الثلاثة خاصة في منطقة الأغوار التي لا يقبل الاحتلال التنازل عنها.

ويمكن القول إن (إسرائيل) ترى في هذا السيناريو أفضل الحلول المطروحة فهو يريحها من تحمل تبعاتها كدولة احتلال، كما ان قادتها يرددون باستمرار أن الأرض الفلسطينية هي الأردن.

كما ان الوقائع المفروضة على الأرض قد تدفع الفلسطينيين مرغمين للقبول بهذا الطرح في ظل تراجع الاهتمام الدولي والعربي بالقضية الفلسطينية، والضغوط والأزمات التي يعانون منها على مستويات السلطة والفصائل والشعب.

السيناريو الرابع: دولة كنتونات في الضفة وهو تجسيد لما هي عليه الحال في السنوات الأخيرة، فالسلطة فعلياً لا تملك أي صلاحيات في الضفة سواء من النواحي الاقتصادية او السياسية أو الأمنية، وما يبقي الاحتلال متمسكاً بوجودها هو التنسيق الأمني.

وقد تلجأ (إسرائيل) لهذا الخيار وتفرضه على السلطة في حال تعثر حلول التسوية، بحيث تجعل الضفة اشبه بمدن صغيرة منفصلة عن بعضها يحكمها أمراء أمنيون قد يكونون من قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت اشرافها أو تضع حاكما عسكريا.

السيناريو الخامس: صفقة إقليمية، وهنا يدور الحديث أن الإدارة الامريكية الجديدة لن تعمل كسابقتها على الضغط على طرفي الصراع للعودة لطاولة المفاوضات التي أثبتت انها مضيعة للوقت، ففي حال كانت معنية وجادة في انهاء الملف الفلسطيني فستسعى لفرض الحل على الطرف الأضعف من خلال صفقة إقليمية تقبل بها دول المنطقة ويجري فرضها على الفلسطينيين. 

وربما يعكس تجاهل ترمب للقضية الفلسطينية وإعراضه عن إقامة أي علاقات مع السلطة الفلسطينية توجهاته المستقبلية نحوها، فتعكس رؤيته الجديدة تجاه الصراع في الشرق الأوسط، أنها نظرة اقليمية أكثر منها فلسطينية - اسرائيلية، ومرتبطة ارتباطا وثيقا بكل الازمات بالمنطقة، والتسويات المستقبلية الممكنة التي يمكن توسعتها لتشمل الأراضي الفلسطينية.

فقد قالت تسيبي حوتوبيل، نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، إلى أنه "يجب إعادة النظر في الأسئلة الجوهرية حول طبيعة الصراع ودفع حلول جديدة للوضع، من بينها تسوية إقليمية بحيث لا نعتمد على الفلسطينيين غير القادرين على التوصل إلى حل".

وتشير التوقعات إلى أن التسوية الإقليمية ستكون ضمن صفقة شاملة تتم بالتعاون مع الدول المركزية في المنطقة والأكثر تماساً بالملف الفلسطيني والقادرة على ممارسة ضغط كبير على الجانب الفلسطيني، لكن هذا الطرح مرتبط بتطورات المنطقة ومدى قدرة الإدارة الامريكية على الحسم والتدخل في المنطقة لإنهاء الصراع الدائر خاصة أنها لم تعد اللاعب الوحيد.

وربما العامل المشترك بين كل السيناريوهات المطروحة أن الفلسطينيين مسيرون وغير مخيرين فحجم الضغوط التي ستمارس عليهم قد تدفعهم للقبول بأي منها مرغمين كونهم الطرف الأضعف في المعادلة الدولية والإقليمية.

البث المباشر