تكثّف سلطات الاحتلال (الاسرائيلي) من محاولاتها ومساعيها الرامية إلى الضغط على حركة حماس لتحريك المياه الراكدة في ملف جنودها المأسورين لدى المقاومة في قطاع غزة، منذ الحرب الأخيرة عام 2014م.
فقد خاض الاحتلال عدة محاولات على الصعيد الدولي والاقليمي، ودفع بعض الوساطات التركية والمصرية، إلى الحديث مع حركة حماس، من أجل إبرام صفقة تبادل جديدة، إلا أن الأخيرة ترفض أن تفصح عن أي معلومة أو الحديث في ذلك، قبل الإفراج عن أسرى "صفقة وفاء الأحرار" الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم في الضفة.
ومؤخراً، لجأت سلطات الاحتلال إلى إعادة اعتقال الأسير المحرر في صفقة وفاء الأحرار نائل البرغوثي، بل وأعادت الحكم السابق له (السجن المؤبد و18 عاماً)، الأمر الذي فسّره مراقبون، بأنه محاولة للضغط والابتزاز لتحريك ملف الجنود المأسورين في قطاع غزة.
وفي هذا السياق، يؤكد مدير مكتب إعلام الأسرى في غزة عبد الرحمن شديد، أن قرار إعادة الحكم السابق للأسير نائل البرغوثي "سياسي يأتي في سياق الضغط والابتزاز الذي يمارسه الاحتلال فيما يتعلق بملف جنوده المأسورين لدى المقاومة في قطاع غزة".
وأوضح شديد في تصريح صحفي وصل "الرسالة نت" نسخة عنه، أن مثل هذه الأحكام لن تخدم الاحتلال في سياسة الابتزاز التي يمارسها، ولن تؤثر على شروط المقاومة التي أخذت على عاتقها مسؤولية تحرير الأسرى ووضعت ذلك على سلم أولوياتها.
وقال شديد: "هذا الحكم لن يؤثر على معنويات الأسير البرغوثي بل ستزيده إيماناً بعدالة قضيته واستحقاقها لأعظم مراتب التضحية والفداء وإصراراً على تحدي هذا الاحتلال الغاشم".
يذكر أن الأسير البرغوثي أحد محرري صفقة وفاء الأحرار "شاليط"، وأعادت سلطات الاحتلال اعتقاله في حزيران عام 2014، وأُصدرت بحقه حكم بالسجن الفعلي مدة 30 شهراً، وأنهى محكوميته في تاريخ 17 ديسمبر 2016، إلا أن سلطات الاحتلال أبقت على اعتقاله، وقد قضى البرغوثي أطول مدة اعتقال في سجون الاحتلال والبالغة 36 عاماً، قضى منها 34 عاماً بشكل متواصل.
مزيد من الضغوط
وبدا واضحاً أن الحكم يأتي في سياق وضع مزيد من الضغوط على المقاومة الفلسطينية التي أسرت عدداً من جنود الاحتلال في قطاع غزة، وفق ما يرى الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي أكرم عطاالله.
وأوضح عطاالله في حديثه مع "الرسالة نت"، أن "إسرائيل" اعتقلت البرغوثي وأضافت عليه الحكم السابق، حتى تجعله جزءاً من الصفقة وليس شرطاً قبل بدئها للتخفيف، لا سيما أن حماس تشترط إطلاق سراح أسرى "صفقة وفاء الأحرار" الذين أُعيد اعتقالهم.
ولم يستبعد إمكانية إبرام صفقة تبادل جديدة "لكن قد يطول مداها"، نظراً لأسباب لها علاقة بنوعية المأسورين، وفق قوله، مشيراً إلى وجود تحركات "جس نبض" سابقة، كان أبرزها زيارة وفود حماس للقاهرة، وخاصة الأمني.
وقال إن "إسرائيل" ستماطل كثيراً، نظراً لعدم وجود رأي عام ضاغط حتى اللحظة، للضغط على الحكومة بالإسراع في إبرام صفقة تبادل، كما حدث وقت صفقة شاليط.
رسائل عدة
ولا شك أن الاحتلال لم يُعِد الحكم دون فهم ما يجري، بل أنه أراد أن يوصل رسائل عدة لبعض الأطراف الفلسطينية، والتي استعرضها الدكتور أحمد رفيق عوض الكاتب والمحلل السياسي.
ويرى عوض في حديثه مع "الرسالة نت"، أن الرسالة الأولى كانت لحركة حماس والمقاومة في غزة، للضغط والإسراع في مسألة إنجاز صفقة تبادل أسرى. أما الرسالة الثانية، فكانت للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والتي مفادها بأن "إسرائيل" ذات يد طولى وتستطيع أن تفعل ما تريد وتصدر الأحكام كيفما تشاء، وفق عوض.
وربط عوض بين إعادة الحكم على البرغوثي، والحكم على الجندي الإسرائيلي قاتل الشهيد عبدالفتاح الشريف قبل عدة أيام، مما يدلل على التمييز الواضح من قبل القضاء الإسرائيلي في الحكم على الفلسطينيين والإسرائيليين.
واستبعد أن تؤثر الإجراءات الإسرائيلية وإعادة الحكم على البرغوثي على المقاومة، كونها مُصرّة على تحقيق شروطها، وعدم التنازل عنها.
عض أصابع
ووصف عوض المرحلة المقبلة بأنها معركة "عض أصابع"، كون الطرفان مُصرين على تحقيق مطالبهما، في حين أن "إسرائيل" تُنفذ عمليات اعتقال ومداهمات في مدن الضفة. وتوّقع أن تكون هناك صفقة تبادل أسرى "لكن ربما تكون بعيدة"، خاصة بعد فشل المفاوضات السابقة بواسطة مصرية وإقليمية.
ومن جانب آخر، فإن "إسرائيل" تشهد حالة من التوتر والتخبط في الوقت الراهن بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير التعليم نفتالي بينيت، لذلك لن تكون هناك صفقة قريبة، وفق قوله.
وتجدر الإشارة، إلى أن الفترة الأخيرة شهدت حالة من الصراع السياسي والتنافس الحزبي بين نتنياهو وبينيت، حيث يعارض الأخير قرارات نتنياهو.