قائمة الموقع

مقال: تقرير مراقب الدولة درسٌ للمتآمرين

2017-03-01T11:14:39+02:00
إيمان المتسهل
بقلم إيمان المتسهل

احتبست أنفاس القادة الصهاينة عشية إصدار مراقب الدولة لدى الكيان الصهيوني لتقريره حول الحرب الأخيرة على قطاع غزة في صيف 2014.

تقرير مراقب الدولة عشية الثلاثاء لم يكن مفاجئا البتّة، فهو ليس التقرير الصهيوني الأول أو الوحيد الذي كشف اللثام عن الإخفاقات الكبيرة والخسائر الفادحة التي تكبّدها الاحتلال الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة، فلقد جاء بعد سلسلة طويلة من التقارير التي أجمعت كلها على فشل الجيش الصهيوني في حربه التي أطلق عليها اسم "الجرف الصامد" بُغية القضاء على قدرة حماس العسكرية.

إلاّ أن تقرير مراقب الدولة "يوسف شبيرا" تضمّن تحليلات وتحقيقات موضوعية للإخفاقات الكبيرة لعدوان "الجرف الصامد" على المستويين السياسي والعسكري وهو ما تحاول كلتا الجهتين التهرّب منه، حيث حمّل التقرير القيادة السياسية الممثلة في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع آنذاك موشي يعلون والقيادة العسكرية الممثلة في رئيس أركان الجيش السابق بني غانتس ورئيس الإستخبارات السابق أفيف كوخافي ورئيس الشاباك السابق يورام كوهين مسؤولية الفشل الذريع في الحرب.

أشار تقرير مراقب الدولة إلى أنّ القيادتين السياسية العسكرية لم تكونا على دراية جيدة بالخطورة الكبيرة التي تشكّلها أنفاق المقاومة في غزة وأنّهما قد اتخذتا قرار شنّ الحرب دون امتلاكهما لخطة ممنهجة أو استراتيجية واضحة أو حتّى استعداد كامل لمواجهة أنفاق المقاومة، كما انتقد التقرير قصور منظومة الاستخبارات الصهيونية في جمع معلومات كافية حول الأنفاق التي تمتلكها حماس وأنّ الجيش الصهيوني قد مُني بهزيمة نكراء حيث دخل إلى الحرب مستعرضًا عضلاته بطوابير طويلة وأفواج كثيرة للجنود والضباط والمركبات وخرج منها يجرّ أذيال الخيبة، يعدّ جرحاه وينقل موتاه وقدّ تحوّلت مركباته المصفحة إلى أنعاش متحرّكة وتفحّمت أجساد جنوده داخل دبابات الميركافه المقلوبة والمحطّمة.

وبالتالي فقد كان تقرير مراقب الدولة إعلانًا واضحا وصريحا عن فشل الجيش الصهيوني في حربه على المقاومة الفلسطينية وأن المقاومة هي من انتصرت في النهاية حيث كانت مستعدّة للمعركة بشكل قويّ وجهّزت لها جيّدا وأعدّت العدّة لكسب الحرب وعدم الاستسلام أو رفع الراية البيضاء مهما طالت أيام المعركة.

تقرير مراقب الدولة يوسف شبيرا انتقد بشكل لاذع إخفاق المنظومة السياسية والعسكرية في تقييم قدرة حماس العسكرية وحمّل بذلك القادة السياسيين والعسكريين الصهاينة الكبار مسؤولية الفشل الكبير في إدارة الحرب على قطاع غزة، كما انتقد التقرير كذلك الفجوة العميقة في التعامل بين الجهات الاستخبارية والأمن وهو ما زاد في تفاقم الفشل، وألقى التقرير باللّوم كذلك على الجيش بسبب عدم قدرته على صدّ صواريخ المقاومة التي توعّدته أمام الشعب الإسرائيلي وأمام العالم بأسره بأنها ستطلق الصواريخ نحو تلّ أبيب وتحدّته أن تتمكّن منظومة القبة الحديدية التي يمتلكها من صدّ الصواريخ وهو ما تمّ فعلا حيث شاهدنا كلّنا عبر الشاشات كيف أن الصواريخ تنطلق مزمجرة من غزة نحو عاصمة الكيان دون أن تتمكّن لا منظومة حيتس ولا غيرها من إسقاطها. عندما بدأت إسرائيل بشنّ عدوانها الغاشم على قطاع غزة بعد ساعات من عثورها على جثث مستوطنيها الثلاثة، أعلن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أن الحرب تهدف بالأساس إلى القضاء على أنفاق حماس الممتدة نحو الكيان وبعد أيام قليلة من بدء الحرب، خرج نتنياهو مرة أخرى ليقول بأن الجيش قد دمّر أكثر من 90 % من أنفاق حماس وهو ما بقي يُكرّره تقريبا في كل تصريح له بعد عقد اجتماعه المصغّر، الكابنيت، لكن في الأثناء كان الشعب الصهيوني والعالم كلّه يشاهد فيديوات موثّقة لكتائب عز الدين القسّام الجناح العسكري لحركة حماس وهي تبرز مقاتليها وهم يعبرون من غزة عبر الأنفاق الحدودية ليخترقوا إسرائيل وينفذوا هجوما على قاعدة عسكرية ويواجهوا مباشرة الجنود الصهاينة الذين بدا عليهم الخوف والهلع، ويتمكنوا من اغتنام أسلحة صهيونية وعلى الأرجح أنهم قد تمكّنوا من أسر بعض الجنود وهو ما يُفسّره إبقاء مقاتلو القسّام على عتادهم العسكري في حلبة المعركة وسط قاعدة كيسوفيم العسكرية، هذا بالإضافة إلى عمليات عديدة أخرى قام بها رجال المقاومة في زيكيم وغيرها.

تقرير مراقب الدولة أكّد مرة أخرى على أنّ الجيش الصهيوني لم يتمكّن فعلا من القضاء على أنفاق المقاومة بل بالعكس، فلقد أشار التقرير على وجود ما يزيد عن 10 أنفاق تمتدّ إلى داخل إسرائيل، وبالتالي فالتقرير قد لمّح إلى كذب القيادة السياسية والعسكرية على الشعب الصهيوني أثناء الحرب وبعدها وأن نتنياهو ورفاقه كانوا يمارسون الكذب والتضليل ويتعمّدون إخفاء الحقائق خوفا من الفضيحة وخشية على مستقبلهم السياسي. وفي المقابل، كان صمود المقاومة واستعدادها قبيل الحرب وخلالها مفاجئا للمنظومتين السياسية والعسكرية في إسرائيل حيث جعلتهما في إحراج كبير أمام الجبهة الصهيونية الداخلية التي بدت عليها بسرعة ومنذ الأيام الأولى للحرب معالم الهشاشة والتآكل وهو ما شكّل نقطة ضعف كبيرة للنخبة السياسية والعسكرية الصهيونية وجعلها مهتزّة ومرتبكة أكثر، وهذا ما أوضحه إقدام القادة الصهاينة بعد أيام قليلة من شنّ العدوان إلى التواصل مع عدة جهات من أجل المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وإبرام هدنة مع المقاومة، وإن لم تكن هدنة ذات شروط معقولة تتماشى مع الانتصار العسكري للمقاومة، فغاية الزعماء الصهاينة كانت إنهاء الحرب وحفظ ماء وجوههم من الخزي والعار اللذان لحقا بهم أثناء العدوان، خاصة وهم يشاهدون جنودهم وضباطهم الذين أرسلوهم إلى تخوم غزة يتساقطون "كالبطّ" بفعل نيران المقاومة والطائرات العسكرية تقلّ الموتى والجرحى في كنف السريّة والتكتّم، في حين تفرض الرقابة العسكرية التعتيم التّام حول الحقائق المروّعة التي يعيشها الجنود والضباط في الحرب وذلك حفاظا على الروح المعنوية لبقية الجنود والضبط والمحافظة قدر الإمكان على تماسك الجبهة الداخلية الهشّة.

شنّ إسرائيل لعدوان الجرف الصامد على قطاع غزة لم يكن ردة فعل آنية على عثور سلطاتها على المستوطنين مقتولين ومدفونين في مزرعة مملوكة لأحد المنتمين لحركة حماس وإنما جاء كقرار مُبيّت، فالعدوان كان مُبرمج له من قبْل من أجل القضاء على حركة حماس وسحق المقاومة وهو ما فسّره لقاء وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان بوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في العاصمة الفرنسية باريس قبل شنّ العدوان والذي طالب فيه هذا الأخير إسرائيل بسحق حماس، وكذلك تحريض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإسرائيل لشنّ حرب على قطاع غزة وإزالة حركة حماس من الوجود وهو ما فسّره أكثر دور مصر المنحاز لصالح إسرائيل سواء قبل الحرب، عبر تدمير أكثر من 90% من الأنفاق الحدودية والتي كانت مصدر الانتعاش لقطاع غزة والمقاومة، و أثناء الحرب، عند محادثات التهدئة في القاهرة والتي كانت مصر خلالها منحازة بشكل واضح لصالح الاحتلال، وحتى بعد أن ألقت الحرب أوزارها وذلك من خلال عدم إلزام الوسيط المصري إسرائيل باحترام بنود التهدئة التي وقعت عليها والتي سارعت إلى انتهاكها وخرقها كما تعوّدت دائما وذلك عبر عدم تنفيذها لوعودها بالسماح بإنشاء ميناء بحري في غزة وتوسيع مساحة الصيد البحري، ناهيك عن الاعتداءات اليومية على المزارعين والصيادين في عرض بحر غزة والتوغّلات المستمرة والاستفزازية وعمليات التجريف المتواصلة للأراضي الحدودية بهدف الاستدراج واستعراض العضلات والبحث عن الأنفاق.

كانت القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل قد اتخذت قرار الحرب عام 2014 في وقت اعتبرته ذهبيا وملائما وفي ظروف لا شكّ أنها كانت ولا تزال تصبّ في مصلحتها وذلك في فترة عقبت الانقلاب العسكري في مصر وما شهده قطاع غزة من تدمير الجيش المصري بشكل شبه كلّي لكافة الأنفاق والمنافذ الحدودية الحيوية بين القطاع ومصر.

كانت إسرائيل تنتقد عدم مرونة الجانب المصري خلال العدوان الصهيوني على غزة الذي كان أكثر حرصا على إطالة أمد الحرب بهدف تصفية المقاومة وسحقها بينما كانت القيادة الصهيونية مهتمة بشكل أكبر بوضع جبهتها الداخلية وخاصة سكان ما يُعرف بغلاف غزة الذين عبّروا عن سخطهم على حكومتهم التي فشلت في توفير الأمن والاستقرار لهم، فقد كانوا غير قادرين على الصمود والبقاء لأسابيع وهم مختبئين في الملاجئ يسمعون دويّ صفارات الإنذار على مدار الساعة.

وهنا يأتي تقرير مراقب الدولة ليكشف بأنّ أقوى جيش في المنطقة والذي هزم الجيوش العربية قاطبة في بضع ساعات، وأسر من الجنود العرب ما لا يُعدُّ ولا يُحصى وأعدمهم ودفنهم أحياء، قد فشل في حربه على المقاومة الفلسطينية على الرغم من اختلاف موازين القوى بينه وبين المقاومة وامتلاكه لأفضل منظومة سلاح متطوّرة في العالم، وبالتالي، يُمكن لكلّ الجهات المتآمرة على المقاومة الفلسطينية والتي لا تزال تحلم بالقضاء عليها وفرض أجندتها الخاصية المتماهية مع الاحتلال الصهيوني وراعيته الرئيسية الولايات المتحدة وكل حلفائهما في المنطقة بأنّ الرهان على سحق المقاومة هو رهان فاشل باعتراف الاحتلال الصهيوني نفسه.

اخبار ذات صلة