نعيش ذكرى رحيل الام الفاضل ام نضال فرحات، تلك الام التي اغرقت بحنانها قلب كل فلسطيني تمسك بهذه الأرض واعطت نموذجا جديدا من الصعب نسيانه، فقدمت فلذات كبدها الواحد تلو الاخر محتسبة بإيمان وصبر وحب لأرضها ودينها ومقتنعة بمنهجيتها، فكانت مثالا حيا تبعها بعد ذلك الكثيرات من أمهاتنا العظيمات.
فقد عرفنا أم نضال لأول مرة إعلاميا في عام 2002 حينما أطلت بوجه يشع نوراً فملأ قلوبنا دهشةً وعيوننا دمعاً وهي تودع ابنها البار محمد وتُسلِمُه لطريقه بإباء، وتوصيه بكلماتٍ قليلةٍ وتحتضنه مرةً ومرة وتبتسم.
وقبل وقت طويل من ذلك عرفها المقاومون حينما فتحت أبواب بيتها عندما أقفلت الأبواب في وجوههم، فوجدوا بيت أم نضال يحتضنهم ويؤويهم، فتقدم لهم طعاماً من صنع يدها بابتسامتها الحنونة، تُجالسهم فيشعرون أنها أمهم ومربيتهم ومُلهمتهم، تحدثهم فتقويهم وتشد من أزرهم، فيخجلون من روحها وكلماتها عن التضحية وضرورة تقديم الثمن، وأي ثمنٍ أعظم وأغلى من أن تقدم أم حنون ولدها في سبيل ربها ومشروعها وغايتها الكبرى.
أم نضال امرأة استثنائية لن يستطيع التاريخ تجاوزها، بل كتب اسمها بأحرف من نور وتدرس قصصها للأجيال، وترسم صورتها في الأماكن العريقة التي تجمع العظماء وستتفوق عليهم، وتسبقهم فقد حجزت لنفسها مكاناً علياً جداً.
ربما اتبع أم نضال الكثير من النساء الفلسطينيات العظيمات الفاضلات كأم محمد حلس وأم أحمد العابد وغيرهم الكثير، إلا أن أم نضال تبقى لها الفضل الكبير في السبق، و"السابقون السابقون" فأي سبقٍ أعظم من هذا يا أمنا؟
والمتابع لسيرة أم نضال يُدرك أن ما قدمته منذ احتضان عماد عقل مروراً بتحريض ابنها نضال على القتال، ومن ثم تقديم محمد للشهادة لم يكن نابع عن قسوةٍ قلبيةٍ، أو عاطفة منفلتة، إنما عن إيمانٍ ويقين راسخين واتصال بالله دائم، ورؤية واضحة جلية، ونفس معطاءة دفاقة بالخير، تقدم المُهج والأرواح في سبيل ما هو أعظم من حياةٍ شخصيةٍ ضيقة.
أم نضال هي أمٌ للفلسطينيين جميعاً بمختلف أطيافهم وألوانهم، فهي محط إجماعٍ عارم من أقصى اليمين لأقصى اليسار فوجدت البكاء والحزن والمشاركة واللهفة من كل بيت فلسطيني، ولا يمكن ان تمر ذكراها من غير وقفة أمام روحها وعطائها وجميل سيرتها.