انتهى اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، برئيس السلطة محمود عباس، بعد فترة من الخلافات، اشتدت ذروتها في الشهور الأخيرة، خاصة بعد طرد جبريل الرجوب أمين سر حركة فتح من القاهرة؛ بسبب تباين وجهات النظر إزاء قضايا، أبرزها الدعم المصري للقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان.
اللقاء الاخير بين السيسي وعباس جاء بشكل مفاجئ؛ ليفكك الملفات الخلافية بين الطرفين، لكن المطلع على الشأن السياسي، يلحظ أن كل المعطيات تشير إلى أن الزيارة جاءت برغبة أمريكية أكثر من مصرية فلسطينية، كون الولايات المتحدة بعد تسلم دونالد ترامب الحكم، تريد من حلفائها بالمنطقة حل ملفاتهم، خاصة الملف الفلسطيني؛ لتتفرغ لمشروع السلام الإقليمي.
كما شهد اللقاء بحث سبل توحيد المواقف العربية بشكل يدعم الموقف الفلسطيني، وكذلك أكد السيسي سعي مصر لإيجاد حل عادل وشامل يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 67، وأن تكون القدس عاصمتها، كما شدد على ضرورة اضطلاع الإدارة الأميركية بدورها المحوري في رعاية عملية السلام، بما يؤدى إلى استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
زيارة عباس للقاهرة كانت ختاما لجولته الخارجية التي بدأها بزيارة قطر، وستقوده أيضا لزيارة ألمانيا وبلجيكا، قبل أن يتوجه إلى الأردن للمشاركة في القمة العربية المقررة في 29 مارس/آذار الجاري.
الرباعية العربية
يقول المحلل السياسي هاني حبيب إن اللقاء يعكس أهمية جوهرية لأسباب عقد القمة الفلسطينية - المصرية قبل زيارة الرئيس إلى واشنطن للقاء ترامب. ويتضح أن الولايات المتحدة هي الراعية الأساسية للعملية السياسية على الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، وتسليم عربي بأن واشنطن هي التي تمتلك أوراق اللعبة، ويجب أن يتشكل موقف عربي موحد، لدعم هذا الدور الأميركي.
ما ورد ذكره، يشبه حديثا مشابها تم بعد لقاء المبعوث الأميركي مع أبو مازن قبل أيام في رام الله، فوفق وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن المبعوث الأميركي طرح عدة شروط يجب أن تتوفر لاستئناف العملية التفاوضية، أهمها، وجود وفد عربي مشترك يضم كلا من "مصر والسعودية والإمارات والأردن".
والجدير ذكره أن الرباعية العربية ضغطت العام الماضي على رئيس السلطة عباس ليتصالح مع دحلان وحركة حماس؛ تمهيدا لإجراء تسوية سياسية مع (إسرائيل)، ونجح إلى حد ما في التخلص من تلك الضغوط، لكن مع وجود الادارة الأمريكية الجديدة والمعنية بصفقة اقليمية قد يصبح من الصعب الهروب من مطالبها، لاسيما وأن ترامب لوح منذ تسلمه الحكم بحجب الأموال والمساعدات المالية عن السلطة وحجز 220 مليون دولار، وعندما أفرج عن المبلغ حوّل لأهداف إنسانية وليس لحساب السلطة.
ما سبق، يؤكده الكاتب حبيب في مقاله الذي نشره في صحيفة الأيام، بأن الرباعية العربية التي وجدت طريقاً مغلقاً قبل بضعة اشهر لاستكمال دورها من الممكن أن نشهد تجديداً لها، خاصة اثر عودة ضخ النفط السعودي الى مصر، كإشارة الى توافق ما بين القاهرة والرياض حول بعض الملفات، من بينها الملف الفلسطيني، على الرغم من بقاء الخلافات حول بعض الملفات كالملف السوري.
وتجدر الإشارة إلى أن السيسي تحدث عقب لقائه عباس، أن القضية الفلسطينية "ستكون محل تباحث مع الرئيس الأميركي خلال الزيارة التي سيقوم بها لواشنطن بداية أبريل/نيسان المقبل، ومن المتوقع أن يتوجه إليها عباس هو الآخر خلال النصف الأول من الشهر ذاته، علما أن ترامب كان قد أبلغه هاتفيا في العاشر من الشهر الجاري أنه "يريد إنهاء المعاناة"، لكن ترامب نفسه أثار جدلا كبيرا عندما فتح الباب خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام تجاهل حل الدولتين كسبيل لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
قمة في الأردن
ومن الواضح أيضا، أن اللقاء الذي جمع السيسي وعباس، يأتي في إطار التحضير للقمة العربية المزمع عقدها في الأردن نهاية الشهر الجاري، والتي تضع القضية الفلسطينية على سلم أولوياتها.
كما تلعب مصر والأردن دورا بارزا فيما يتعلق بالتنسيق والدفع باتجاه صفقة إقليمية كبرى بدعم أمريكي لتسوية عدة ملفات في منطقة الشرق الأوسط تبدأ بالقضية الفلسطينية، وكذلك لا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه الأردن في عملية التنسيق بين جميع الجهات لتحقيق مصالحات عربية -عربية قبيل القمة التي تستضيفها، إضافة إلى مبادرة سلام أميركية مرتقبة بين الفلسطينيين و(إسرائيل) تستند إلى إطار إقليمي يضم مصر والأردن والفلسطينيين.
ويعقب الكاتب السياسي حبيب على ذلك، بأن التوافقات العربية مطلوبة الآن، وأنه ربما يوفرها مؤتمر القمة العربي اواخر الشهر الجاري في عمان، وكذلك فإن توقيت القمة الفلسطينية - المصرية، قبل انعقادها، وقبل اجتماعات واشنطن بالغ الأهمية لتوفير التغطية العربية عموماً، والفلسطينية - المصرية على وجه الخصوص.
ويشير إلى أنه من المحتمل التجديد للرباعية العربية، مستدلا على ذلك بأن ولي ولي العهد السعودي، كان قد استبق كلا من ابو مازن والسيسي للقاء ترامب، لذا فإن الدور الأميركي في اعادة صياغة الرباعية العربية من جديد، يبدو أكثر وضوحاً، بالإضافة إلى أن تصريح الرئاسة المصرية إثر قمة ابو مازن - السيسي حول الدور الأميركي المناط به لاستئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، هو الأكثر صراحة حول تسليم هذا الملف ليصبح علنياً وبموافقة عربية رسمية، للرئاسة الأميركية التي بعثت مبعوثها الخاص الى كل من نتنياهو وابو مازن قبل ايام قليلة من القمة الفلسطينية - المصرية.