مقال: ستون ثانية الأخيرة لمازن فقهاء

الكاتب ماهر حجازي
الكاتب ماهر حجازي

ماهر حجازي

يشكل اغتيال الأسير المحرر مازن فقهاء في قطاع غزة منعطفا خطيرا في المشهد الفلسطيني عموما واستهدافا مباشرا للأسرى المحررين وقادة المقاومة بشكل خاص، فإن طبيعة العملية من حيث الشكل باستخدام سلاح كاتم للصوت لم تكن الأولى لكنها الأولى من حيث استهداف الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار وخاصة بعد جملة التهديدات الصهيونية بملاحقتهم وتصفيتهم في قطاع غزة وحتى خارج فلسطين أو إعادة اعتقالهم كما يحدث في الضفة المحتلة.

جريمة اغتيال فقهاء تذكرنا بتصفية الشهيد التونسي محمد الزواري قبل أشهر من خلال استهدافه من قبل عناصر الموساد الاسرائيلي داخل سيارته، في دليل واضح على دقة متابعة الشهيد فقهاء من قبل خلية الاغتيال ومراقبة تحركاته ومعرفة مكان سكنه وتفاصيل المكان بدقة واختيار التوقيت والمكان المناسبين لنجاح عملية الاغتيال دون إي خطأ يكشف الجناة.

لذلك وبحسب ما نشر من معلومات أولية حول اغتيال الشهيد فقهاء، أن خلية الاغتيال وأتحدث عن خلية لأنه من الطبيعي أن تكون مجموعة أشرفت على اغتياله من المتابعة إلى التنفيذ، هذه الخلية راقبت تحركات فقهاء واختارت أن تقتله في سيارته داخل مرآب البناء الذي يسكنه، وحسب المعطيات التي لا تزال مجرد معلومات أن الشهيد فقهاء كان عائدا من نزهة برفقة زوجته وطفليه، في حين صعدت الزوجة والأولاد إلى المنزل ودخل بسيارته إلى المرآب حيث أطلقت عليه اربع رصاصات وربما أكثر لكن أربعة أصابته بشكل مباشر، اختيار خلية الاغتيال للمرآب والشهيد بداخل السيارة جاء نتيجة مراقبة حثيثة  لكافة تحركاته بالتالي نتحدث هنا عن خلل أمني واضح في إجراءات التعقب والمتابعة التي لابد أن يكون الشهيد رحمه الله على دراية بها خاصة في ظل التهديدات الصهيونية له بالتصفية.

كذلك استهداف الشهيد فقهاء في سيارته سيجعله مقيد الحركة في تلافي إطلاق النار أو حتى الرد على مصدر النيران، أيضا طبيعة المرآب الذي توضع بداخله السيارات من حيث قلة دخول الأشخاص اليه سيعطي وقتا طويلا لخلية الاغتيال لمغادرة مسرح الجريمة حتى اكتشاف فعلتهم والتي فعليا تمت بعد ساعة بحسب ما نشر من معلومات عن الحادثة.

مع العلم أن معطيات أخرى تحدثت عن تصفية الشهيد فقهاء على باب العمارة السكنية، ومن المؤكد هنا إن صحت هذه الرواية أن تستخدم خلية الاغتيال دراجة نارية أو سيارة لإطلاق النار عليه والمغادرة بسرعة وهنا ربما لا تكون الإصابة قاتلة، لكن الاحتراف والتدريب لهذا النوع من العمليات يجعلها قاتلة.

مما لا شك فيه أن منفذي عملية الاغتيال متمرسون على هذا النوع من العمليات الأمنية والتصفية الجسدية، وخاضعون لتدريبات مكثفة حتى ينجحوا في اغتيال الشهيد فقهاء ولا يتركوا أي أثر على هويتهم، ولم يكن قرار تصفية فقهاء وليد اللحظة وإنما كانت هناك مرحلة رصد وتعقب وصولا الى ساعة التنفيذ.

أسئلة كثيرة بحاجة لإجابات حول خلية الاغتيال، من أين جاءت وهل تلقت تدريباتها في قطاع غزة أم خارج فلسطين، هل هي مجموعة خاصة من جنود الاحتلال دخلت قطاع غزة من البحر كما أشاع الاعلام الصهيوني في محاولة أعتقد للتشويش على سير التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في غزة، ومحاولة من الاحتلال الصهيوني لإيهام التحقيقات بأن الخلية ربما غادرت القطاع وعادت من خلال البحر كما دخلت وفي الحقيقة الخلية لا تزال في قطاع غزة، هي محاولات صهيونية للتشويش على مجريات التحقيق وربما يعلن الاحتلال المزيد من التفاصيل في الأيام القادم لتضليل سير التحقيقات من جهة والحرب النفسية مع المقاومة في قطاع غزة على صعيد الأمن وحماية القطاع واشغال المقاومة في الفترة القادمة بالوضع الأمني الداخلي بعيدا عن المواجهة العسكرية مع الاحتلال.

من السيناريوهات المتوقعة من وجهة نظري أن تكون خلية الاغتيال المرتبطة بالاحتلال الصهيوني تلقت تدريبات أمنية على هذا النوع من العمليات ضمن صفوف الفصائل الفلسطينية كاختراق صهيوني أمني للفصائل، أو أن تكون تلقت تدريباتها خارج فلسطين لدى جهاز الموساد الصهيوني أو لدى أجهزة مخابرات عربية لها ارتباط بالموساد، كل الاحتمالات مفتوحة لكن ما من شك أن الاحتلال الصهيوني هو المحرك الأساسي لهذه الخلية التي اغتالت الشهيد مازن فقهاء، واعتقد أن التحقيقات ستكشف في الأيام القادمة إن كان الاغتيال بأيدي فلسطينية عميلة للاحتلال أو إسرائيلية بحتة.

المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة اليوم أمام منعطف هام ولابد من دراسة الوضع الأمني في قطاع غزة واتخاذ كافة التدابير لحماية قادة المقاومة خاصة من أعلن الاحتلال استهدافهم بشكل صريح، وبعيدا عن الحديث عن خيارات الرد على جريمة الاحتلال باغتيال الأسير المحرر مازن فقهاء لا يسعنا الحديث في حضرة المقاومة، المفترض اليوم دراسة حقيقية لهذه الجريمة بعيدا عن العواطف والمحاسبة على صعيد الاستهتار بالإجراءات الأمنية للمقاومة، ومن المنطق في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة وسط تدهور ا

 لحالة الإنسانية، لابد ان يستغل الاحتلال المجرم حاجة البعض لتنفيذ أجندته ضد المقاومة، بالتالي لابد من العمل على انهاء الحصار وسد هذه الثغرة الأمنية التي تشكل خطرا على المقاومة في قطاع غزة.

دروس كثيرة نستخلصها من عملية الاغتيال الجبانة، اليوم قدمت المقاومة شهيدا جديدا في مسيرة جهادها لن يكون الأخير على درب تحرير الأرض والانسان، لكن من الجيد أن تكون فاتورة المقاومة أقل والمكاسب أكثر، لذا اعتقد من الضروري اليوم تشديد الإجراءات الأمنية على جميع المسافرين من وإلى قطاع غزة من خلال معبر رفح مع مصر ومعبر بيت حانون - إيرز الذي يسيطر عليه الاحتلال لأنه ربما خلية الاغتيال دخلت من أحد المعابر وتستعد للخروج من قطاع غزة.

كذلك لابد من متابعة العناصر المحسوبة على تنظيم الدولة (داعش) الموجودة في قطاع غزة وتشديد القبضة الأمنية ضدهم، لأن هؤلاء يمثلون أرضية خصبة للاحتلال الصهيوني لتنفيذ أجندته ضد المقاومة في قطاع غزة.

المطلوب اليوم فرض إجراءات أمنية مشددة على قادة المقاومة ومحاسبة المقصرين منهم على صعيد الأمن الشخصي، بما يضمن سلامتهم وكف أيدي الغدر عنهم داخل الوطن وخارجه، أيضا يجب أن تجري التحقيقات بسرية تامة خاصة مع التحليلات والدعوات التي تريد حرف مسار البحث في جريمة الاغتيال عن مسارها من مسؤوليتها الأساسية الاحتلال الصهيوني، كذلك ما يشيعه الاحتلال من معلومات حول عملية الاغتيال يريد منها التشويش على سير التحقيقات والوضع بشكل عام في قطاع غزة.

لذلك المسؤولية كبيرة على عاتق المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لمواجهة التشويش الصهيوني الذي يهدف إلى زعزعة الثقة بين أهالي القطاع ومقاومتهم والتشكيك في الجانب الأمني داخل القطاع المحاصر، وأيضا على أهالي القطاع مسؤولية في عدم تمرير المخطط الصهيوني وتعزيز ثقافة المقاومة لديهم.

أما العدو الصهيوني فهو يدرك تماما أن مسيرة المقاومة لن تتوقف عند اغتيال قائد وإنما استشهاد القادة يفتح صفحات جديدة من الجهاد تكون أكثر إيلاما للعدو الصهيوني، وثقتنا بالمقاومة وخياراتها في الرد على جرائم الاحتلال الغاشم بما يتناسب مع الجريمة.

البث المباشر