في الثالث من شهر مارس العام الماضي انفجرت إحدى اسطوانات الغاز بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وتسببت بوفاة مواطن وإصابة 15 آخرين.
وفي حادثة مشابهة أواخر العام 2015 أدى انفجار إحدى اسطوانات الغاز لوفاة مواطن وإصابة ثلاثة آخرين، نتيجة نقل الغاز من أسطوانة لأخرى في إحدى العشوائيات "أماكن تعبئة الغاز غير المرخصة" بحي الشيخ رضوان بغزة.
وسبق ذلك انفجار لأسطوانة غاز مخالفة لشروط ومعايير السلامة، في منتصف سبتمبر من العام 2009 تسببت بوفاة 10 مواطنين وإصابة أكثر من 50 آخرين، في مطبخ يعود لعائلة حرب في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وفقا لتقرير جهاز الدفاع المدني آنذاك.
كل ما سبق دفع معد التحقيق إلى البحث وراء تكرار تلك الحوادث، ليجد أن ما بين 100 إلى 200 حادثة انفجار لأسطوانات غاز حدثت على مدار العشر سنوات الماضية 2007-2017، وفق إحصائية تقديرية للدفاع المدني.
خطر كامن
وخلال عدة جولات ميدانية أجرتها "الرسالة" تمكنا فيها من اكتشاف الخطر الكامن داخل منازل المواطنين في قطاع غزة، والذي تسبب بحالات وفاة، نتيجة استمرار تداول أسطوانات الغاز المهترئة وعمل "عشوائيات الغاز" في ظل غياب الرقابة والمساءلة.
وبالرجوع إلى القانون الفلسطيني الخاص رقم 28 بنظام ترخيص إنشاءات محطات تعبئة الغاز المنزلي، الذي أُقر عام 2002 ووفق المادة رقم (8) فإنه يحظر إقامة أي عشوائية أو حتى محطة رسمية لتعبئة الغاز داخل المدن وبين منازل المواطنين.
ووفقاً لذات القانون فإن العمر الافتراضي لأسطوانة الغاز المنزلي هو ما بين عشر إلى خمسة عشر عاماً، على ألا يتم تعبئتها بعد هذه المدة من الزمن؛ لأنها تصبح مهترئة وتشكل خطراً على حياة المواطنين.
وهنا لاحظ معد التحقيق تداول مئات الاسطوانات القديمة والتي تمثل قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، دون أن تمنعها الجهات الرسمية والرقابية المشرفة على محطات تعبئة الغاز في قطاع غزة.
لا يجوز للجنة المركزية أن تمنح رخصة لمنشآت المشروع إلا في المناطق الزراعية أو الصناعية
بدورنا حملنا القضية ووضعناها على طاولة المسؤولين عن الملف، الذي يُشرف عليه كل من الهيئة العامة للبترول، ووزارة الاقتصاد والدفاع المدني ووزارة الحكم المحلي، الذين أخذوا بإلقاء اللوم على بعضهم وبدأوا بالتهرب من مسؤولياتهم بذرائع مختلفة.
قلة الامكانيات
مدير دائرة التفتيش والرقابة في الدفاع المدني بغزة حسام كردية، يقول إن ضبط هذا الأمر بشكل تام يحتاج لحملة متكاملة، وتوفر الإمكانيات لدى جهازه، مشيراً إلى أنهم يولون اهتمامهم لقضايا أكثر خطراً!
وأوضح كردية في حديثه لـ"الرسالة" أنهم يواجهون عدة مشاكل عند تحفظهم على أسطوانات الغاز المهترئة، أبرزها رفض المواطن صاحب الأسطوانة لمصادرتها بحجة عدم قدرته على شراء أخرى جديدة يصل سعرها إلى قرابة 70 دولارا.
وأشار إلى أن جهازه يبذل الكثير من الجهود لمحاولة التخلص من الأسطوانات المهترئة، كان أحدها مقترحا لزيادة شيكل واحد على تعبئة كل أسطوانة من المواطنين يذهب لشراء أسطوانات جديدة بدل تلك القديمة، إلا أن هيئة البترول في الضفة المحتلة أفشلت المقترح؛ نتيجة منعها أي رسوم إضافية على السعر المعلن لأسطوانة الغاز، على حد قوله.
وبحسب كردية فإن عدد أسطوانات الغاز في قطاع غزة يقدر حوالي 800 ألف أسطوانة، لا يتجاوز عدد الأسطوانات المهترئة 2000 أسطوانة، مطالبا الجمعيات الخيرية والمؤسسات الدولية بتبني حملة خيرية تشمل تعويض المواطنين بأسطوانات جديدة بدل المهترئة.
وفي ذات السياق، يقول أحمد الصفطاوي مدير إدارة الأمن والسلامة في الدفاع المدني، إن قضية الغاز من أخطر القضايا التي يواجهونها بشكل عام، "سواء محطات تعبئة الغاز أو الأسطوانات المهترئة التي يتم تداولها وتعبئتها في المحطات".
لجنة الغاز: المسؤولية تقع على الحكومة وليس علينا كقطاع خاص
وعلى نقيض سابقه، يؤكد الصفطاوي لـ"الرسالة" أنهم يقومون بجولات تفتيشية على المحطات يتم فيها معاينة الأسطوانات التي يجري تعبئتها وفحصها، مشيرا إلى أنهم ضبطوا ما يقارب الـ60 أسطوانة مهترئة ولا تصلح للاستخدام بتاتا في محطة واحدة بمدينة خانيونس جنوب القطاع.
وأوضح أن مسؤولية إتلاف وضبط الأسطوانات المهترئة تقع على عاتق أصحاب المحطات، منوها إلى أنهم يصدرون تعليماتهم لهم بعدم استلام الأسطوانة المهترئة من المواطنين، لافتا في الوقت ذاته إلى أن إجراءاتهم تتم عبر إخطار صاحب المحطة المخالفة وإحالته للنيابة العامة؛ وتصل لحد منعه من حصة الغاز بالتواصل مع هيئة البترول.
انتشار عشوائيات الغاز
وعن قضية انتشار "عشوائيات" الغاز بشكل كبير في قطاع غزة، أكد الصفطاوي أنها تشكل خطرا كبيرا على حياة المواطنين، وتصنف ضمن المهن "غير المشروعة" التي يحاربونها باستمرار.
ويُرجع المُقدم في الدفاع المدني زيادة انتشارها إلى الربح العائد على أصحابها من أصحاب السيارات التي تعمل على الغاز، مقدرا عدد العشوائيات في قطاع غزة بما لا يقل عن 300 عشوائية.
قطاع غزة يحتاج 400 طن من الغاز يومياً، والعجز يصل لـ 50%
وشدد الصفطاوي على أنهم بصدد وضع خطة خلال الأيام الجارية تركز في القضاء على النقاط العشوائية لتعبئة الغاز، لافتا إلى أن قلة الإمكانيات تعيقهم من القضاء عليها بشكل كامل، إلى جانب وضع المواطنين المادي السيئ الذي يمنعهم من الضغط عليهم.
وأردف " نتجاوز بعض العشوائيات التي لا تشكل خطرا كبيرا وبعيدة عن منازل المواطنين، لكن العشوائية التي قد تتسبب خطرا نسلم صاحبها إخطارا فوريا لإزالتها".
أمر غير مبرر
وبالانتقال إلى مدير دائرة التنظيم والتخطيط الحضري في بلدية غزة المهندس مؤنس فارس، فإنه يرى أن المسؤولية في منع انتشار العشوائيات تقع على عاتق جميع الجهات المسؤولة، مشددا على أن التذرع بالظروف الصعبة وقلة الإمكانيات أمر "غير مبرر".
ويؤكد فارس على ضرورة منع تداول أسطوانات الغاز القديمة واتلافها، من خلال أصحاب المحطات، مقترحا أن يتم وضع مندوب من كل الجهات المسؤولة عن هذا الملف للرقابة عليها في المحطات.
معد التحقيق قابل بعض أصحاب محطات تعبئة الغاز، ليؤكد أغلبهم قّلة الجولات التفتيشية من الجهات المشرفة عليهم؛ لمتابعة ومنع اسطوانات الغاز المهترئة والزراعية والملحومة.
ويقول يسري ضبان صاحب إحدى المحطات لـ"الرسالة" إن آخر جولة تفتيشية قامت بها الجهات المشرفة على محطته كانت قبل عامين.
مصدر خاص: بعض أصحاب المحطات يجندون موزعين لصالحهم بمقابل توفير الغاز لهم باستمرار
وأضاف أنه وصلهم قبل أسابيع تعميم من الجهات الرسمية بعدم تعبئة الاسطوانات المهترئة؛ أي مع بدء معد التحقيق بإجراء اللقاءات مع تلك الجهات وطرح هذه القضية عليهم.
ولفت ضبان إلى أنهم وبناء على هذا التعميم منعوا تعبئة تلك الاسطوانات وبدأوا بإرجاعها للموزع الذي بدوره أعادها للمواطن، خلال الأيام القليلة الماضية.
بينما يقول حسن العبادلة صاحب إحدى المحطات بمدينة خانيونس أن الجهات المسؤولة تقوم بجولات تفتيشية على فترات متباعدة جدا، الأمر الذي يضعف الرقابة على تعبئة الاسطوانات المهترئة والزراعية والملحومة.
وأضاف العبادلة أن الجهات المفتشة عليهم لا يعرفون تقييم اسطوانات الغاز المهترئة من السليمة، مشيرا إلى أن جولاتهم القليلة لا تساهم في ضبط تلك الاسطوانات بشكل كامل، لافتا إلى أن منع تعبئة وتداول هذه الاسطوانات يحتاج إلى تواجد الجهات الرقابية بشكل دائم في المحطات.
ونظرا لتبادل الاتهامات حمل معد التحقيق هذه القضية ووضعها على طاولة مدير عام حماية المستهلك والمكاتب الفرعية بوزارة الاقتصاد الوطني بغزة د. رائد الجزار، كون أن وزارته مسؤولة عن حماية المستهلك من أي خطر.
وهنا أكد الجزار أن قضية منع انتشار عشوائيات الغاز من أهم أولويات إدارته، منوها إلى أن بعض التجار يحاولون الاستثمار في وقت أزمة نقص الغاز بقطاع غزة.
الدفاع المدني: مسؤولية إتلاف وضبط الأسطوانات المهترئة تقع على عاتق أصحاب المحطات
وأشار إلى أنهم يحاربونها عبر تحرير محاضر ضبط من قبل مفتشيهم لأي موزع يعمل على تعبئة الغاز داخل منزله، إلى جانب ضبط وسحب جهاز تعبئة وتفريغ الغاز واتلافه وتوقيف صاحبه ثم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.
ولفت الجزار إلى أنهم حرروا قرابة 10 محاضر ضبط لموزعين في الآونة الأخيرة، مرجعا عدم قدرتهم على القضاء عليها إلى أنها تتم في الخفاء وداخل منازل المواطنين.
وفي قضية تداول الأسطوانات المهترئة أوضح الجزار أنهم يبذلون جهودا لمنعها عبر خطة تضمن تبديلها بأسطوانات جديدة من خلال اتفاق بينهم وبين المستهلك وبالتعاون مع هيئة البترول وأصحاب المحطات.
وأضاف "الخطة تكفل استبدال تلك الأسطوانات بأخرى عن طريق تقسيط سعرها للمستهلك على عدة أشهر، لكن هذه الآلية لم تطبق حتى اللحظة وسنعمل على تطبيقها في الأيام المقبلة".
محطات مخالفة
وخلال جولة "الرسالة"، لاحظنا أن عدد محطات تعبئة الغاز تزيد عن 40 محطة، وهو عدد كبير جداً مقارنة بكمية الغاز المحدودة التي تدخل القطاع، وأيضا مقارنة بعدد محطات التعبئة في الضفة الغربية المحتلة والتي لا يتجاوز عددها 22 محطة، ما دفعنا للتساؤل عن سبب هذه الزيادة الكبيرة في قطاع غزة!!.
بلدية غزة: وضع مندوب من كل الجهات المسؤولة عن هذا الملف للرقابة عليها في المحطات
وهنا أخبرنا مصدر خاص في الدفاع المدني رفض ذكر اسمه، بأن الزيادة غير الطبيعية في عدد محطات التعبئة بغزة يرجع إلى الربح الكبير الذي يعود على صاحب المحطة بعد أن ينسج علاقات مع أشخاص في السوق السوداء التي تبيع أسطوانة الغاز، لأصحاب السيارات؛ بسعر يزيد عن عشرين إلى ثلاثين شيكلا عن سعرها الأصلي، وفق قوله.
وأضاف المصدر في حديثه لـ"الرسالة": "بعض أصحاب المحطات يعتمدون على هذا باستمرار، عبر تجنيد موزعين يعملون لصالحهم مقابل توفير الغاز لهم باستمرار على حساب ما يصل لأصحاب المنازل".
وعن الزيادة الكبيرة في عدد المحطات نوه الصفطاوي إلى أن هيئة البترول بغزة أوقفت تصاريح إنشاء محطات الغاز في قطاع غزة بشكل تام.
ويحتاج قطاع غزة 400 طن يومياً من الغاز، فيما يشهد عجزًا يصل لحوالي 50%، كما يعاني القطاع من شح في المحروقات الأخرى، بسبب وجود خط واحد قديم يستخدم في إدخالها.
لسنا جهة رقابية
وأكد سمير حمادة رئيس لجنة الغاز في جمعية شركات الوقود بغزة، أن لجنته لديها تعليمات واضحة وصريحة بمنع التعبئة للأسطوانة المهترئة أو الملحومة أو الزراعية التي تشكل خطراً على حياة المواطنين، مشددا على أن الموزع الذي يتم ضبطه يجري معاقبته على الفور.
وفي معرض رده على سؤالنا عن ضبطهم للموزعين، قال حمادة في حديثه لـ"الرسالة": إن مسؤولية هذا الأمر تقع على عاتق الجهات الرقابية والحكومية المسؤولة، لافتا إلى أنهم قطاع خاص ولا علاقة لهم بهذه القضية.
الاقتصاد: بعض التجار يحاولون استغلال أزمة نقص الغاز بقطاع غزة
ودعا حمادة المواطنين لتقديم شكوى على الموزع أو صاحب المحطة الذي يقيم عشوائية داخل منزله أو يعبئ للسيارات، ليتم محاسبته.
وبالرجوع إلى المهندس مؤنس فارس، مدير دائرة التنظيم والتخطيط الحضري في بلدية غزة، قال إن سبب الزيادة الكبيرة في عدد المحطات، يرجع إلى وجود اقتصاد حر في غزة وعدم وجود قانون مخصص يحدد عددها.
ويقول خليل شقفة مدير هيئة البترول في قطاع غزة، إن لديهم مشروع إلكتروني سيطبق العام المقبل، لحل جميع الأزمات المتعلقة بالغاز في قطاع غزة.
وأوضح شقفة لـ"الرسالة" أن المشروع يتمثل في حصول كل أسطوانة على شريحة الكترونية لها شيفرة محددة، وعدد تعبئتها للغاز وخاصة في الأزمات لتعرف الجرة التي تعبأ بشكل متكرر وفق التقنية rfad، على حد قوله.
وأكد أن المشروع سيمكنهم من الحصول على قاعدة بينات حقيقية عن عدد الأسطوانات داخل القطاع وتصنيفها، ليتم التخلص من الأسطوانات المهترئة وعدم تعبئة الأسطوانات التي يستخدمها أصحابها في السيارات.
هيئة البترول: نمنع تعبئة الاسطوانة المهترئة، وإجراءاتنا صارمة بحق المخالفين
وعن سبب الزيادة في عدد محطات تعبئة الغاز يقول المهندس يحيى العطار رئيس الدائرة الفنية في الهيئة العامة للبترول، إن السبب يرجع إلى أن التجار يعتبروه مشروعا ناجحا.
وأكد العطار بأن هيئته أوقفت تراخيص انشاء أي محطة غاز منذ عام، لافتا إلى أن اختصاص هيئته بمتابعة كل إجراءات الرخص السنوية من كل الوزارات، وفي حال خالفت أحد الشروط أي وزارة نوقف تلك المحطة عن العمل.
وفي نهاية المطاف يوصي معد التحقيق بضرورة العمل على منع استخدام أسطوانات الغاز المهترئة ومنع عمل "العشوائيات" التي تعتبر قنابل موقوتة تهدد سلامة المواطنين، إلى جانب ضرورة مراجعة تراخيص محطات تعبئة الغاز ومتابعتها بشكل حثيث.