منذ بداية الثورة الفلسطينية شكلت ظاهرة العملاء أحد أبرز التحديات أمام المقاومة الفلسطينية خاصة أنها تعتبر خاصرة رخوة ووسيلة تسهل للاحتلال اختراق الصف الوطني ما جعل التعامل معها من المعضلات الحساسة.
التعامل مع العملاء تنوع وتغير بتغير الوضع السياسي العام، ما بين الحدة واللين فقد شهدت فترات عديدة شدة وصرامة في التعامل معهم واتخاذ أقصى العقوبات بحقهم لردعهم مثل الإعدامات الميدانية وسحلهم في الشوارع أو تعليق جثثهم في الأماكن العامة لردعهم وجعلهم عبرة لغيرهم.
كما جرى قتلهم على يد فصائل المقاومة أو إعدامهم على يد السلطة الفلسطينية، أو إيقاع الأذى الجسدي بحقهم، أو سجنهم، أو التشهير الإعلامي بهم من قبل الفصائل أو حتى من قبل عائلاتهم.
وقد تزامنت المراحل التي شهدت تصعيداً في الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين ارتفاع في وتيرة ملاحقة العملاء، وخصوصاً في الانتفاضتين الأولى والثانية، والحروب على قطاع غزة في 2008 و2012 و2014، التي كان غالباً ما ينفذ خلالها عقوبة الإعدام بحق العملاء المحكومين.
من ناحية أخرى فان التعامل معهم أخذ أشكال مختلفة عن الفترات السابقة ففي حين كانت الطريقة الوحيدة للتعامل معهم هي القتل من قبل المقاومة أثناء الانتفاضات الأولى والثانية، شهدت فترة التسعينات ما بعد اتفاق أوسلو في عهد السلطة الفلسطينية تراخيًا في التعامل مع هذا الملف فكان يترك عددًا كبيرًا منهم طلقاء أو يسمح لهم بالهرب خارج الأراضي الفلسطينية، وفي أفضل الأحوال كان يجري التحفظ عليهم في سجون السلطة دون تنفيذ أي أحكام بحقهم.
وقد حاولت الحكومة الفلسطينية في عهد حركة حماس التعامل بطريقة مختلفة من خلال فتح باب التوبة أمامهم، والاستفادة منهم في أعمال المقاومة وتجنيدهم كجواسيس مزدوجين، وقد ساهمت هذه الحملات في تجفيف كثير من منابع التخابر للاحتلال ما دفع قوات الاحتلال إلى الحديث علانية عن أزمة في المعلومات في منطقة قطاع غزة بعد كشف عدد كبير من عملائه.
ويعتبر إعدام العملاء قانون وتقليد منذ بداية الثورة حيث سنت منظمة التحرير الفلسطينية قانون المحكمة الثورية منذ نشأتها في ستينيات القرن الماضي تحت بند الخيانة، والتي جاء في المادة 130 منها أنه يعاقب بالإعدام كل من حمل السلاح على الثورة الفلسطينية أو التحق بأي وجه كان بقوات العدو المسلحة.
بينما نصت المادة 131 أنه يعاقب بالإعدام كل من:
سعى لدى دولة أو جهة معادية للثورة أو تخابر معها أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها للقيام بأعمال عدوانية ضد الثورة.
ب-سعى لدى دولة أجنبية معادية أو تخابر معها أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها لمعاونتها في عملياتها الحربية أو للإضرار بالعمليات الحربية للثورة الفلسطينية.
مادة 132: يعاقب بالإعدام كل من دس الدسائس لدى العدو أو اتصل به ليعاونه بأي وجه كان على فوز قواته على الثورة الفلسطينية.
مادة 133: يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل من دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفعها إلى العدوان ضد الثورة أو ليوفر الوسائل إلى ذلك وإذا أفضى عمله إلى نتيجة عوقب بالإعدام.
مادة 134: يعاقب بالإعدام كل من أقدم بأية وسيلة كانت بقصد شل الدفاع الثوري على الأضرار بالمنشئات والمصانع والبواخر والمركبات والأدوات والذخائر والأسلحة والمؤن وسبل المواصلات وبصورة عامة بأي شيء ذي طابع عسكري أو معد لاستعمال قوات الثورة أو القوات الحليفة.
وفيما بعد تم العمل في الضفة الغربية وفقاً لقانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 عقوبة الإعدام كعقوبة لـ (16) جريمة، وأغلب الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في هذا القانون هي من الجرائم السياسية التي من الصعب إطلاق وصف أشد الجرائم خطورة عليها: فمثلاً المادة (139) تعاقب بالإعدام كل من تآمر على ارتكاب فعل من الأفعال المعاقب عليها بالإعدام الواردة في المواد (135 -138)، ولم يعرف القانون كلمة المؤامرة.
بينما في قطاع غزة كان تيم العمل بقانون العقوبات الانتدابي رقم (74) لسنة 1936 المعدل بأمر الحاكم العام المصري رقم (555) الصادر بتاريخ 2/ نيسان 1957 عقوبة الإعدام كعقوبة لخمس عشرة جريمة، يلاحظ على هذه الجرائم أن أغلبها تتعلق بقضايا سياسية تمس أمن الدولة، وبعضها صيغ بعبارات فضفاضة تحتمل التوسع في التفسير.
فعلى سبيل المثال تعاقب المادة (77) من القانون المذكور بالإعدام: "كل من ارتكب عمداً فعلاً يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها"، كذلك تعاقب المادة (78/أ) بالإعدام "كل من تدخل لمصلحة العدو في تدبير لزعزعة إخلاص القوات المسلحة أو إضعاف روح الشعب المعنوية أو قوة المقاومة عنده"، وتحمل هذه المواد سوء نية مبيتة الهدف منها توسيع نطاق الأفعال المعاقب عليها بالإعدام إذا وقعت على أمن الدولة، كذلك لا تميز هذه المواد في أغلبها بين وقوع الفعل المعاقب عليه بالإعدام في وقت الحرب وبين وقوعه في وقت السلم.
وبقيت هذه القوانين هي المعمول بها حتى جاء اتفاق اوسلو الذي حمل بند غامض حول مصير العملاء وقيل إنه يحظر على السلطة اعتقالهم ولكن الرئيس الراحل ياسر عرفات أعطى أوامره بوضوح بملاحقتهم واعتقالهم باستثناء تنفيذ أحكام الإعدام.
ومن هنا أصدرت المحاكم العسكرية الفلسطينية أحكامًا متعددة على عملاء بالإعدام بدون تنفيذ لأن السلطة لديها علاقات مع إسرائيل وعلاقات دولية واسعة تجعلها عرضة للضغوط والابتزاز في حال تنفيذ أحكام الإعدام.
بينما حماس يختلف وضعها السياسي فهي لا تقيم أدنى علاقات مع إسرائيل أو أمريكا وبالتالي لا تكون عرضة لأي ضغوط مباشرة في حال تنفيذها لأحكام الإعدام بحق العملاء وهذا ما حصل فعلا سواء خلال حروب غزة أو ما قبل ذلك.
وقد اعتمدت الحكومة بغزة على قانون العقوبات الثوري في تشكيل المحكمة الثورية التي شكلت خلال عدوان غزة وهي:
المادة 111:
كل فلسطيني دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفعها إلى العدوان ضد الدولة أو ليوفر الوسائل إلى ذلك عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وإذا أفضى عمله إلى نتيجة عوقب بالإعدام.
المادة 112:
كل فلسطيني دس الدسائس لدى العدو أو اتصل به ليعاونه بأي وجه كان على فوز قواته على الدولة عوقب بالإعدام.
ورغم أن إعدام العملاء شكل رادعًا لكثير منهم إلا أن هذه الحرب تبقى من أصعب وأخطر الحروب بين المقاومة والاحتلال الذي يبتكر أساليب جديدة في تجنيدهم وذلك كونهم يشكلون عيوناً له على الأرض، والعنصر الأهم لتنفيذ مهامه ضد المقاومة الفلسطينية سواء اغتيالات أو تصفيات لناشطي المقاومة أو حتى أثناء الحروب.