اليسار الفلسطيني بين أفكار الماضي ومصالح الحاضر

 

عدوان:مواقفهم لا ترقى للثوابت فهم يكيلون بمكيالين

الصواف: يلعبون على المتناقضات وهم أقرب لفتح

قاسم:أعدادهم تقل وبياناتهم تخالف أفعالهم بالكامل

رباح:اليسار جسم أصيل ساهم في تطوير الفكر السياسي

غزة – الرسالة نت                                                 

احبسوا أنفاسكم قليلا قبل التعليق على العنوان فهو ليس مجرد اتهام, ثم أجيبوا كيف يمارس أي تنظيم عمله دون تمويل مستمر ؟! .

تحتفظ فصائل اليسار الفلسطيني بصور "شي جيقارا" في مكاتبها وتشعل سيجار كاسترو دون أن تدرك حقيقة الشارع الفلسطيني المتأثر حاليا بالصحوة الإسلامية ممثلة بالحركات الإسلامية.

تخرج مواقفهم السياسية كثيرا كالفطر عقب ليلة رعد, وقد يكونون محقين في بعض المواقف, لكن أفكارهم ونهجهم السياسي لم يحز على ثقة الجمهور بدليل نتائجهم في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 .

تتزعم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فصائل اليسار وتمضي خلفها الجبهة الديمقراطية وفدا وحزب الشعب والمبادرة الفلسطينية وهم كل الحركات اليسارية الفلسطينية .

تأثر اليسار بغياب الاتحاد السوفيتي ما دفعه بعد انهياره للاعتماد على منظمة التحرير فزداد حاله سوءا حين لم يستطع المحافظة على أفكاره وتأمين دعمه المالي.

وتتحرك فصائل اليسار الآن في المنطقة الرمادية في ظل الانقسام الفلسطيني ما يخفف من تأثيرها على الشارع .

 اليسار الفلسطيني

الحديث عن اليسار الفلسطيني يبدأ من أقصى يمين الصفحة, فنشأة الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1919 على يد يهود فلسطين جاء في كبوة العمل الوطني نظرا لكثير من الظروف .

غاب الحزب الشيوعي الفلسطيني عن الصورة ليعود في الخمسينات حين كان تنظيم الإخوان المسلمين اسما مألوفا على لسان الكثيرين لدوره في حرب فلسطين ومواقفه من بعدها .

يلخّص الدكتور عصام عدوان المتابع لشئون منظمة التحرير أحزاب اليسار بالقول:"أولهم الحزب الشيوعي ثم حركة اليساريين العرب  وظهرت بعد عام 1966 ثم انبثقت منها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد عام 1967 ثم الجبهة الديمقراطية وكلهم ممثلين في اللجنة التنفيذية للمنظمة ثم ظهرت منظمة فدا بقيادة صالح رأفت وأخيرا المبادرة الفلسطينية ويتزعمها مصطفى البرغوثي" .

ويرى عدوان أن اليسار الفلسطيني لم يكن في بدايته بذات طرحه السياسي الحالي فتحلى بقوة وانسجام مع محيطه الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي .

أما المحلل السياسي عبد الستار قاسم فيرى أن تأثير اليسار كان أواخر الستينات وأوائل السبعينات بينما بدؤوا يعيشون تحولا سلبيا حين اعتمدوا على ياسر عرفات-كما قال .

لكن رمزي رباح عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية أكد أن اليسار كان دوما جزءا أصيلا من الحركة الوطنية والكفاح السياسي .

وأضاف:"له منظمات ودور في تطور الفكر السياسي في إطار طرح بدائل وحدة ودروب شاقة فقد كانت الديمقراطية صمام أمان وقدمت شهداء في إطار مسئوليتها واسهم اليسار في بناء الحركة الوطنية".

من جهته يرى المحلل السياسي مصطفى الصواف أن اليسار سجل دورا مهما في السبعينات على صعيد المقاومة بينما جمعه العداء مع بعض الأنظمة العربية .

وأضاف:"كانت قاعدتهم في أوجها في السبعينات ولكن بعد زيادة نشاط فتح في الثمانينات تراجع اليسار وانكمش قياسا بقوى جديدة ظهرت بعده أصبح دوره هامشيا بدليل انتخابات 2006 حين لم يحصل على 5% ن الأصوات".

الاتحاد السوفيتي و المنظمة

لو كنت محل "ميخائيل جورباتشوف" رئيس الاتحاد السوفيتي السابق لأخبرتهم باللعبة وبعثت لهم برسالة توضيحية, فأفول نجم السوفيت كرأس الاشتراكية أثر كثيرا على اليسار معنويا وماديا .

وأكد الدكتور عدوان أن غياب دعم الاتحاد السوفيتي اجبر اليسار أن يعتمدوا على دعم منظمة التحرير الفلسطينية وبعض الدول العربية .

ومع غياب السوفييت وبروز أمريكا كقطب أحادي واجه اليسار تحديا حقيقيا وازداد اشتعال السيجار الكوبي في مكاتبهم وهم يتحدثون عن التكيّف مع الحال الجديد .

ويرى الدكتور قاسم أن اليسار تأثر كثيرا باعتماده على ياسر عرفات مضيفا:"أصبح تمويلهم منه وفقدوا استقلالهم والآن أصبحت أعدادهم قليلة ويحصلون على أموالهم من السلطة الفلسطينية".

وخالف رمزي رباح سابقيه بالقول إن اليسار لم يكن يعتمد كليا على الاتحاد السوفيتي من ناحية الدعم المالي.

وأضاف:"خسارة الاتحاد السوفيتي كانت لكل حركات التحرر فقد كان النصير الأول في العالم لفلسطين والكل أدرك ذلك بعد انفراد أمريكا بالعالم أما اليسار الفلسطيني فقد نشأ نشأة وطنية وانطلق من الثورة المسلحة والجبهة الديمقراطية تأسست في أحراش الأردن كيسار مسلح بخصوصية وطنية" .

وأوضح أن السوفييت فتحوا لليسار الفلسطيني فرص الحصول على دورات عسكرية ومقاعد للدراسة ولم تكن العلاقة بينهما مادية صرفة كما يقال.

وأكد المحلل الصواف أن اليسار الفلسطيني اعتمد على الاتحاد السوفيتي ما أثر عليه كثيرا حين انهار الاتحاد حين فقد جزء من الدعم المالي والأيديولوجي وقناعات الناس أنفسهم .

وأضاف:"رافق ذلك بروز صحوة إسلامية كبيرة أدت لتغيير في المشهد الفلسطيني وأصبحت الاشتراكية لليسار شكلا وغادروه مضمونا" .

وبكى اليسار في حضن منظمة التحرير فهدهد ياسر عرفات عليه براحتيه علما منه بما يصنع ثم بدأ الرفاق مرحلة جديدة من عمرهم مفعمة بالتحديات التي وجدوا فيها مأزقا "كيف سيجمعون بين الفكر والموقف ؟ " .

وأكد الصواف أن اليسار دوره الآن في المنظمة معدوم فهي ملك لحركة فتح من قديم تستخدمها كيف تشاء فهي التي تملك المال ومن يملك المال يملك القرار ! .

وحول موقف اليسار والجبهة الديمقراطية خاصة من منظمة التحرير شدد رباح أن جبهته تقدمت بوثيقة إصلاح للمنظمة بإجراء انتخابات في مؤسساتها "المجلس الوطني-اللجنة المركزية-اللجنة التنفيذية" منتقدا من ينادي بتشكيل مرجعية موازية-يقصد حماس- ويترك المنظمة كمظلة جامعة .

وأضاف:"منذ أوسلو بدأت المنظمة تعاني الشلل ولكن لا بديل عنها فلابد أن نستفيد من دورها وانجازاتها فقد حازت على اعتراف 120 دولة ومطروح الآن إصلاحها" .

وتنادي حركة حماس بتفعيل ما اتفق عليه في آذار 2005 حين اجتمعت الفصائل لمناقشة إصلاح المنظمة لكن فتح ترفض حتى اللحظة تنفيذ الاتفاق خوفا من فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس المتصاعدة جماهيريا .

نقطة تحوّل

وتتزعم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قوى اليسار الفلسطيني تلقائيا انطلاقا من حجمها وسجلها القديم ويعد رفضها لما يعرف بالحل المرحلي المعروف بمشروع النقاط العشر عام 1974 شكل نقطة تحوّل تثار عندما يتحدث المحللون عن نهج اليسار وخطه السياسي .

عن ذلك قال الدكتور عدوان :" رفضهم لما طرحته المنظمة عام 1974 دفع الشعبية لتجميد عضويتها في منظمة التحرير ثم استأنفوها في ظروف أسوأ عام 1979 والسبب أن الشعبية اضطرت أمام حاجتها المادية أن تتنازل عن موقفها لتوفير الرواتب ثم تكرر ذلك بعد مؤتمر مدريد حين جمدت عضويتها فتعرضت للتهميش فاضطرت مرة أخرى للعودة لتشارك صاغرة فجاء أبو علي مصطفى للداخل ليشارك في السلطة الفلسطينية" .

وأكد المحلل قاسم أن رفض الشعبية لمشروع النقاط العشر عام 1974لم يكن موفقا فلم يقدموا بديلا وخرجت الشعبية أضعف من قبل.

وفي عام 1983 حدث انشقاق داخل حركة فتح فاصطف اليسار لجوار المستقيمين علما أن الشقين كانوا يساريين وعمليا أخذ اليسار تيار ثالث ليقف موقف من يرص الصفوف.

وبعيدا عن ذلك ساهم نشطاها المقاوم والذي نقل المعركة للخارج عبر عمليات "خطف الطائرات" إلى الانعكاس سلبا على القضية الفلسطينية كما أثرت أحداث أيلول في الأردن حين قتل 20 ألف فلسطيني سلبا بسبب السياسات الخاطئة لهم .

ويرى المحلل الصواف أن عمل اليسار المقاوم شهد تراجعا كبيرا حين فقدوا الدعم الجماهيري والقاعدة وأصبحوا في كثير من الأحيان لا يجدون من ينفذ عملية مقاومة معهم.

أفكاره ومواقفه السياسية

يمارس الرفاق اللعب السياسي في المنطقة الرمادية, فتارة "يمثلون دور الصليب الأحمر" أو"يمسكون بالعصا ويمشون على الحبل" مستفيدين من التناقضات وأخطاء الآخرين دون أن يتحلوا بالجرأة على طرح موقف أصيل .

عن مواقفهم السياسية يقول الدكتور عدوان "مواقفهم لا ترقى للثوابت فيكيلون بمكيالين فتراهم يتحدثون في غزة عن الانقسام ونزول حماس عن الشجرة وفي الضفة يمالقون السلطة وتفريط فتح في الثوابت ولا ينتقدون ملاحقة السلطة للمقاومة " .

أما أفكارهم  فلا زالوا يحافظون على مبادئهم الشيوعية واليسارية ويحلمون بالصراع الطبقي المسيطر عليهم , عن ذلك يضيف عدوان :"يشعرون أن الظروف تأتي لصالحهم وإن ساءت الظروف الاقتصادية سيشتعل الصراع الطبقي وهذا مخالف للواقع فالإسلاميون هم من يصعد"

أما رباح عضو المكتب السياسي للديمقراطية فدعا لتحويل الحصار إلى قضية سياسية توحد الكل الفلسطيني مستغلة الضغط الدولي الحالي على الاحتلال .

وانتقد ما يقال عن تباين تصريحات فصائل اليسار بين غزة والضفة والداخل والخارج مضيفا:"ذلك إعلام ليس صحيحا فموقفنا واحد من خلال هيئات قيادية وننتقد أي اعتقال سياسي هنا وهناك دون محاباة ولا نصطف لجانب طرف على حساب الآخر فمثلا قدمنا طرح لتطوير الورقة المصرية كنا فيه اقرب لساحة حماس من فتح" .

ويرى المحلل الصواف أن اليسار بعد إخفاقه في لعب دور حقيقي بمنظمة التحرير انقسم على نفسه لجزأين الأول يريد الحفاظ على الشكل القديم ويربطه بالمنظمة فقط المال والثاني يريد التخلص من اليسار والفكر الشيوعي ويتجه لمسميات أخرى بدليل أن الحزب الشيوعي الفلسطيني غير اسمه إلى حزب الشعب الفلسطيني لأن التسمية الأولى منفّرة .

وأكد أن اليسار لازال يلعب على التناقضات وهم غالبا لجوار فتح العلمانية والأقرب لهم من ناحية فكرية مضيفا:"ينظرون للحركة الإسلامية أنها رجعية وظلامية لذا يصطفوا لجوار فتح فلا يريدون للتيار الإسلامي الصعود لتباين الأيدلوجية والأفكار" . 

مستقبل اليسار

وفي انطلاقة الجبهة الشعبية الأخيرة قال لي أحد الرفاق إن زملاءه ذرفوا الدموع وهم يشاهدون ما وصفه بالحشود, لم أستطع أن أجيبه حينها في ظل نشوته لأقول أن فتح يومها أغرت عناصرها بالمئات للحضور وحماس ذهبت بالطبع لمراقبة الأمر بأعداد ليست قليلة .

ولا ينضم لفصائل اليسار المزيد المؤثر فنسبتهم تراوح مكانها منذ سنوات طويلة.

حول زيادتهم العددية يقول المحلل عدوان :"آخر ما قرأته من استطلاعات لبحوث منهجها العلمي رصين وعلى مدى سنتين كل 2-3 أشهر أن اليسار للجمود أقرب فالديمقراطية نسبتها 5.% وتطورت قليلا فأصبحت 4.% وذلك بسبب عدم ثبات موقفهم أمام الجمهور والشعبية كانت 1.5-2% وهي نسبة سيئة جدا لذا كلهم لن يحصلوا على 3- 3.5% من كل الشعب" .

وانعكست كل النسب السابقة عل انتخابات 2006 حيث لم يحصل اليسار سوى على عدة مقاعد فقط في المجلس التشريعي .

وأكد رباح عضو المكتب السياسي للديمقراطية أن الانتخابات السابقة جرت في ظل تشتت اليسار وأن الانتخابات لا تجري في العمر لمرة واحدة ! حيث المسألة على رأيه تصعد وتنزل

وأضاف:"نحن متفائلون في الانتخابات القادمة بعد تجربة حماس وفتح هناك اتجاه عريض نحو الليبرالية والديمقراطية والاستطلاعات تقول أن نسبة كبيرة لن تصوت لا لحماس ولا لفتح ما سيبرز قوى جديدة".

وأكد أن ما وصفه بالمال السياسي يضخ لحماس ولفتح عبر مصادرها بينما اليسار ليس له مصادر مالية قوية كما لهما بل له مستحقات على الصندوق القومي من مستحقات 3000 شهيد من شهداء الديمقراطية

وتأثر اليسار بغياب القادة التاريخيين, فالمحلل عدوان أشار أن عبد الرحيم ملوح مثلا لا يملأ الساحة الآن بعد غياب أبو علي مصطفى بينما يشاهد الناس تباين في مواقف وتصريحات غزة والضفة أو الداخل والخارج .

أما رباح فأكد أن التأثير الحاسم لا يكون بغياب القيادات التاريخية والرموز بل يعد البرنامج السياسي والممارسة هي الأهم بلا جدال .

ونفى المحللون أن تزداد حصة اليسار في الشارع الفلسطيني ليحوز على مزيد من الأعضاء والمقاعد مستقبلا تأثرا بعوامل قديمة وحديثة لا تعالج بوصفة سحرية.

 

البث المباشر