سيراً على الأقدام، في زقاق ضيقة توصلك لأعماق التاريخ في قلب البلدة القديمة بمدينة نابلس، شمال الضفة المحتلة، حيث "حارة الياسمينة"، يتربع "حوش العطعوط" المكان الأكثر شهرة في تاريخه النضالي بالبلدة.
ما يقرب من 26 بيتا قديما، يصل عمر بعضها لمئتي عام، يتوسطها الحوش، وتتفرع منه طرقات صغيرة ضيقة، ببناء أثري يجذب السائحين والزائرين للمدينة العريقة بتاريخها ونضالها.
تفاصيل المكان، وأحاديث الساكنين فيه، لا تخلو من مشاعر الفخر بأن الحوش كان في يوم من الأيام أصل الحكاية، في ثورة انتفضت ضد الاحتلال، بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 1967م.
حيث احتضن الحوش ومنازله الثوار إبان احتلال الأراضي الفلسطينية، ليتحول لمحطة انطلاق الثوار، ويبقى شاهداً على فترة نضالية قادها الشهيد "أبو عمار".
المؤرخ وخبير الآثار عبد الله كلبونة ذكر "للرسالة" أن الحوش كان أحد أبرز المخابئ التي كان يتخذها الراحل "أبو عمار" خلال الثورة، أثناء نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، فهو أحد أبرز أماكن تجمع الثوار خلال تلك الفترة".
وبقي الحوش هدفا لقوات الاحتلال الاسرائيلي عند وقوع أي اشتباك، ففي عام 2002 حينما تم اجتياح مدينة نابلس، دمرت الطائرات الاسرائيلية عددا من المنازل والمباني الأثرية، وكأنها أرادت أن تنتقم من الحجارة التي احتضنت انطلاقة الثورة.
عن موقعه وتاريخه يقول خبير الآثار: "يقع حوش "العطعوط" في حارة الياسمينة بالبلدة القديمة، ومقابل حوش الشوفية، وهو يمثل أحد الأحواش العديدة في البلدة القديمة، والتي يصل عددها لـ 99 حوش تقريباً".
ومصطلح "الحوش" يدل على مجمع معماري خاص بسكن الأسرة الواحدة أو العشيرة الواحدة.
عائلة العطعوط
وتشتهر نابلس بالأحواش، فهي تميزت عن غيرها من المدن الفلسطينية، وما يشير إلى ذلك، ما ذكره الجغرافي المقدسي في القرن الرابع الهجري: "ولنابلس دواميس عجيبة -الأحواش-، والديماس هو المكان العميق المغطى الذي لا ينفذ إليه إلا بواسطة".
ويعد حوش العطعوط أحد الأحواش الشهيرة بنابلس، ويتميز بطول الممرات وتفرعها وكثرة الساكنين فيه، ولقد مرّ كغيره من الأحواش بما مرّت به البلدة القديمة من ترميم، وهو ينسب لعائلة العطعوط النابلسية التي كانت تسكن فيه منذ العهد العثماني، بحسب كلبونة.
وبحسب خبير الآثار كلبونة، فإن المباني الحالية تم تأسيسها وترميمها محاكاة للفترة المملوكية والبناء التركي، موضحا أن الترميم جاء من أجل تثبيت الساكنين فيه، وخدمتهم، وجعله مزاراً، حيث تمت إعادة ترميمه بإشراف مؤسسة التعاون التي رممت أحواشاً أخرى أيضاً في البلدة القديمة.
احدى النساء اللواتي يسكن حوش العطعوط "أم رائد"، تروي أنها تفخر بسكنها فيه كونه كان مخبأ لرجال الثورة الذين قاتلوا الاحتلال ودافعوا عن حقوقنا المسلوبة"، موضحة أنها لا تنوي مغادرته فهي لا تستطيع العيش بعيدا عنه فكل زاوية منها تحوي الكثير من الذكريات.
وتخبر "الرسالة" أن حوش العطعوط تعرض كثيرا للتدمير والخراب في نابلس، وذلك حقدا من الاحتلال لما خرج من فدائيين أظهروا ضعف الاسرائيليين.
وحينما ودعنا "حوش العطعوط"، كان يأمل ساكنوه بالتفاف الجهات الرسمية إليه، لحمايته من عبث الاسرائيليين وذلك للحفاظ على عراقته التاريخية كون سياح كثر يأتون للتعرف عليه.