لأنه أيقن أن حب الوطن ليس وراثيًا يتناقله الأبناء عن الآباء والأجداد، حيث لا دخل له بالجينات الوراثية، بل تزرع بذوره في أفئدة الأطفال وينمو شيئًا فشيئًا معهم، ولأنه آمن أن الجهاد ليس شعارات وكلمات يجب ترديدها فحسب وأن "من شب على شيء شاب عليه".
لهذا، انطلق الشاب محمد العمريطي (33 عامًا) بعزيمة الواجب لغرس حب الوطن في قلوب الصغار، مبدداً المقولة التي يتغنى بها المحتل الغاشم "الكبار يموتون والأطفال ينسون"، حيث انبرى يغرس بذور حب الوطن من خلال البرامج التلفزيونية التي قدمها والأفلام القصيرة التي أنتجها وليس انتهاء بلعبة "الوصول إلى القدس".
لم تكن لعبة الوصول إلى القدس أولى خطوات العمريطي في مسيرته الإبداعية، بل قدم أعمالًا كثيرة الهدف منها جميعًا تنشئة جيل قادر على تحمل المسؤولية والتحرير.
بدورها، التقت "الرسالة" العمريطي للحديث عن مشواره الإبداعي ومحاولته قهر المحتل، حيث يقول: "أنتجت فيديوهات أثارت غضب (الإسرائيليين)، كفيلم زوال (إسرائيل)، وفيديو قتل أوباما عن طريق الدمية بسبب حربه على العراق، وقدمت برنامج رواد الغد الذي وصل الحد بعد بثه بقليل إلى تهديد الكونجرس الأمريكي بتوقيف بث فضائية الأقصى، وآخرها كانت لعبة الوصول إلى القدس.. والمشوار لم ينته بعد".
لعبة الوصول إلى القدس
رافقت "الرسالة نت" العمريطي في رحلة إلى القدس عن طريق اللعبة الورقية التي ابتكرها على غرار لعبة "الحية والسلم"، فهي عبارة عن مئة مربع يوجد في داخلها رسومات مثل مقاوم وصاروخ، ودبابة، ونفق وإسعاف ومصاب وأسماء مدن وقرى البلاد التي احتلها الكيان الصهيوني.
في أعلى اللعبة تتربع صورة مدينة القدس والأقصى، ليتيقن الأطفال أنه لا عودة إلى القدس إلا بالجهاد.
وتأتي اللعبة حسب العمريطي ردًا على ما يطلقه الاحتلال من ألعاب تحريضية وتظهر في خلفيتها صورة لأماكن دينية إسلامية في القدس والخليل، على أنها أماكن يهودية مقدسة، حيث يتم إظهار الفلسطينيين فيها كإرهابيين، إذ تظهرهم وهم يرتدون ملابس خضراء ومقنعين يحملون بأيديهم البنادق والسكاكين.
ويرى العمريطي أنه في ظل تغيير أسماء الشوارع والبلدات إلى العبرية وكل محاولات طمس التراث الفلسطيني، فإن هذه اللعبة تساهم في غرس الأسماء الأصلية الفلسطينية للقرى والشوارع في أذهان الأطفال بعد أن حاولوا بكل الطرق إبعادها عن أذهانهم.
غضب (إسرائيل)
ما أن انتشرت لعبة الطريق إلى القدس حتى اشتاط الصهاينة غضبًا فانهالوا بالتعليقات عليها ووصفوا منتجها بالإرهابي، لاحتوائها على الصواريخ والأسلحة ولأنها تحرض على العنف، حسب ادعائهم.
كان العمريطي يتوقع أن تغضب هذه اللعبة الاحتلال، لأنه لا يريد للعرب أن يفكروا خارج الصندوق، ويريدهم دمية في يديه، ولأنه لا يريد أن ننشئ جيلًا متمسكاً بأرضه، وفق قوله.
مواقف كثيرة مرت بالعمريطي بعد انتشار اللعبة، فقد دخل مكتبة لشراء قرطاسية فأمعن صاحب المكتبة في وجهه، وسأله إذا ما كان هو صاحب لعبة الوصول إلى القدس، وعن ذلك يقول والسعادة بادية على وجهه: " بعد أن عرف أني من أنجزها شجعني كثيرًا ومدح هذا العمل وأثنى عليه فغمرني وقتها شعور الانتصار بأني قدمت شيئًا للوطن وعملًا يغيظ المحتل".
واستأنف قائلًا: "كثرة التعليقات الإيجابية التي وردتني عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد تهديد الاحتلال لي، مفادها أن أستمر في طريقي ولا ألقي للتهديدات بالًا، مما جعلني أيقن أن هذا العمل جهادي ووطني".
يسعد العمريطي حين يرى الأطفال متحلقين حول اللعبة، ويلاحظ الانسجام والتفاعل والقلق والتأثير على وجوههم وهم يحاكون مقاومة الاحتلال ويتقدمون وهم سعداء بعد استخدامهم الصواريخ، مشيرًا إلى أنه يدرك أنه قدم عملًا نوعيًا يساهم في غرس القيم وحب الوطن.
ينهي العمريطي حديثه بنبرة المنتصر: "شعرت أني أخذت ثأر أخواي الشهيدين، وأخي الآخر الجريح، فرأيت أني أثرت غضب الإسرائيليين كما أثاروا أحزانًا في كل بيت فلسطيني".