يمتطى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس صهوة جواد الإقليم، في معركته ضد قطاع غزة، في محاولة لتطويعه ضمن ترتيباته السياسية التي تسبق لقاءه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة أنها تزامنت مع انعقاد القمة العربية في البحر الميت الشهر الماضي، ومع الإعلان عن ترتيبات سياسية لإتمام "صفقة القرن" الرامية لتصفية القضية الفلسطينية.
الجواد الذي يمتطيه عباس يبدو غير محصن حد الكفاية ليجعل منه فارسًا متمرسًا في معركته، في ظل المعطيات التي تشير الى وجود تحفظ من بعض أطراف الرباعية العربية على اجراءاته، عدا أن ساحة اللعبة فيها من أوراق القوة وجياد المرحلة ما تمتطيه حماس ايضًا.
خيارات أبو مازن التي تستند إلى دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وموافقة بعض أطراف الرباعية، تصطدم بعدة حقائق تفسد عرسه الذي يحاول تسويقه بوجود دعم إقليمي كامل لإجراءاته.
أولى هذه الوقائع، تصدرها موقف السعودية أحد أطراف الرباعية العربية التي تحفظت على إجراءات عباس، خشية من اشعال فتيل الصراع والاقتتال الفلسطيني الداخلي مجددًا، وتسعى للنأي بنفسها عن أي موقف يحسب عليها أنها ضد حركة "حماس" في ظل الترتيبات الأمنية والسياسية الجديدة في المنطقة.
ونفى اللواء أنور عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات المقرب من الديوان الملكي، وجود أي ضوء اخضر سعودي للسلطة باتخاذ أي إجراءات ضد غزة، "خاصة أن كل الشرعيات منتهية، ويجب إعادة صياغة العلاقة الفلسطينية على بناء دستور يجمع الفلسطينيين، وليس الدخول في منازعات جديدة"، كما يقول للرسالة.
وعلمت "الرسالة" وجود قنوات اتصال جرى تفعيلها مؤخرًا، على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة لحركة "حماس"، والتي ترقب المملكة نتائجها عن كثب، وفق مسؤولين من الحركة والمملكة السعودية.
أمّا مصر التي تعتبر احد اهم الأطراف التي يراهن عباس عليها في سياساته ضد غزة، فليست محسومة بالكلية في انحيازها للرجل، خاصة في ظل استمرار قنوات التواصل بين القاهرة وحركة "حماس".
وتؤكد المصادر في حركة "حماس" أن قنوات التواصل لا تزال قائمة حتى اللحظات الأخيرة، وأن القاهرة لم تغلق الباب في وجه الحوار مع الحركة، مشيرة الى ان عددا من المسؤولين المصريين أكدوا استمرار تحسين العلاقة مع غزة.
ويبدو بحسب المصادر أن قنوات الاتصال هذه المرة شملت مستويات عالية في الحركة في غزة.
حراك المياه الراكدة بين غزة والرباعية العربية، لا ينفي وجود رغبة دولية وإقليمية بإخضاع غزة، لكنها رغبة لا تنسف في اعتباراتها الأهمية الأمنية والسياسية التي تمثلها غزة لبعض أطراف الرباعية، كما أن هذه الأطراف تدرك خطورة البديل الذي سيحل إذا ما عمّت الفوضى والتي تعني بالضرورة تمدد التطرف.
في المقابل، تملك حماس أوراق قوة مختلفة يلخصها الدكتور محسن صالح رئيس مركز الزيتونة للدراسات، وفي القلب منها الانفراجة في العلاقة مع عدد من الأطراف سواء كان ذلك مع قوى صديقة كتركيا وقطر أو انفراجات جديدة في الملفات الإيرانية والسعودية وشمال افريقيا.
ويذكر صالح لـ"الرسالة" أن القيادة السعودية حذرة تجاه تصرفات عباس إذا ما وصلت إلى مرحلة "كسر العظم" لاعتبارات تتمثل في رفضها تعزيز حالة الانقسام وعدم رغبة السعودية بأن تظهر وكأنها ضمن تيار يضرب المقاومة الفلسطينية، مشيرا الى ان "حماس" يمكنها عبر هذا المدخل التواصل مع السعودية في اطار "عقلنة" سياسة السلطة.
وفي سياق ترتيب أوراقها القيادية والسياسية، فإن "حماس" مقبلة على اعلان وثيقتها السياسية يوم الاحد المقبل، وهي تشكل مرحلة انتقالية في مسار العمل السياسي للحركة، وقفزة يمكن الحركة ان تحدث خلالها جملة من الاختراقات، التي تستدعي جهدًا سياسيا واعلاميًا من قيادة "حماس" في المرحلة المقبلة مع كافة الأطراف ذات العلاقة.
وربما تبرز العلاقة في الملف الإيراني كأحد أهم أوراق القوة التي تملكها حماس في مواجهة محاولة اقصائها إقليميا، خاصة أن هذا الملف تقدم كثيرا وفق مسؤولين إيرانيين أكدوا للرسالة ان العلاقة بدت في مسارها الصحيح وحدث فيها اختراق مهم.
طبيعة الاختراق في العلاقة وإن لم يكن ممكنًا الإفصاح عن تفاصيل عديدة فيه، الا ان ترسم ملامح مرحلة جديدة للحركة قد تخرجها من عنق الزجاجة، وهي بلا شك لا تغنيها عن عمق عربي، وهو ما يستوجب منها التوازن في الخطاب والقراءة السياسية، كما يقول صالح.
نضوج العلاقة مع إيران يضيف للحركة رصيد جديد في موازين العلاقات الدولية، وفي تحركاتها الداخلية كذلك، ويجعلها تقف امام إقليم يتهاوى نحو مسار التسوية.
ويبدو مطلوبًا من حركة حماس وبتأكيد المراقبين، الظهور بشكل أكثر وضوحًا وقوة في مواجهة أي إجراءات تتخذها السلطة، خاصة والبدء بحملة علاقات عامة محلية وعربية ودولية، تشير فيها الى سلوك عباس المناهض لمبدأ المشاركة.