قائمة الموقع

الخيّاط رامي يحتفل بعيد العمال على وقع القهر والفقر المدقع

2017-05-01T06:37:57+03:00
الشاب رامي حمدان
محمد بلّور-الرسالة نت

للمرة الأولى أرى الفقر مشهراً سيفه للإجهاز على أسرة مكونة من والدين وستة أطفال، فعهدي بقصص العاطلين عن العمل أنهم يصارعون شظف العيش بمنحنى متباين لكن أن تكون معاناتهم من الدرجة القصوى دوماً، فهذا خارج نطاق التوقع وفضاء الممكن.

لا يقلّب الشاب رامي حمدان (38) عام من مخيم البريج جيوبه، فمنذ سنوات لم يصافحها شيء، لاسيما أن الحياة تمر بإيقاع مؤلم لا يملك فيه إجابة واحدة ليلبي مسائل الزوجة والأطفال أو حتى سؤال حاجة في سرّه.

حمدان واحد من بين آلاف العاطلين عن العمل الذين كانوا يمتهنون صنعة خياطة الملابس حتى تردت أحوالها كثيراً، وفقد معظمهم مصدر رزقهم الوحيد سواء في (إسرائيل) أو قطاع غزة.

وحسب جهاز الإحصاء المركزي سنة 2016 فقد تجاوزت نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 41.7% فيما يعيش تحت خط الفقر أكثر من 60% فيما تبدو المؤشرات الحقيقية أكبر من ذلك بعد أن فقد 150 ألف عامل عملهم وانضم عشرات آلاف الخريجين إلى جيش البطالة.

خياط صغير

في منزل رامي المغطى بالصفيح والمقام فوق منزل العائلة يسبر الفقر غور تفاصيل الحياة عن آخرها فمنذ سنة (2005) لم يجد كتفاً دافئة تعينه على إعالة أطفاله.

يقول للرسالة:" بدأت عملي في مهنة الخياطة وأنا في سنة 16 عام، ثم التحقت بالعمل في المنطقة الصناعية حتى عام 2005 وكنت أعمل لأسدد كامل التزاماتي بعد زواجي وإنجاب أول أطفالي وأحياناً أعمل جزءًا من أيام الإجازات" .

مع مطلع انتفاضة الأقصى أواخر عام (2000) عانى من الانقطاع المتكرر عن العمل بسبب مضايقات الاحتلال وبعيد انسحاب غزة سنة (2005) فقد عمله وانضم إلى جيش بطالة الخياطين بغزة.

امتهن رامي كل شيء من الممكن أن يوفر لأسرته شواكل معدودة بدءًا من بيع الحلويات والترمس أمام أبواب المدارس وحتى حمل اسطوانات الغاز المنزلي وتعبئتها للجيران والمعارف وصولاً إلى قطف الزيتون والعمل مع مقاولي البناء.

شيكل واحد

في مطبخ منزله الذي علمت لاحقاً أنه يتحول لحجرة نوم عندما يديرون الفراش من حالته العرضية إلى الطولية تتسلل خيوط الشمس من شقوق الصفيح المهترئة فيما لا يكف صنبور الماء الوحيد عن العزف بصوت قطرة تلو الأخرى.

ويضيف:" حملت كثيراً على ظهري أنابيب الغاز ووقفت في طابور المحطات أيام الأزمات لملئها للجيران مقابل شواكل وكثيراً ما عدت وقت الفجر وفي موسم الزيتون الماضي وقعت عن السلم وكسرت ساقي".

تتدخل والدة رامي في الرواية وقد أسندت ظهرًا للجدار قرب موقد الطهي فيما تبدو الزوجة مترددة قبل الوصول للمكان أملاً في أن تسفر المقابلة الصحفية عن شيء إيجابي جديد ثم تحسم أمرها بالسؤال عن جدوى القصة.

وتقول الأم: "للأسف غالباً لا يملك ثمن حفاضات أصغر أطفاله ولا يوجد طعام في البيت ولا يتلقى مساعدة من أي جهة ولا يملك حتى مصروف المدارس".

وكنت قد رأيت الفقر بلونه الفاقع في وجه رامي من ذلك النوع الذي يقهر الرجال والذي نستعيذ منه في دعائنا صباح مساء، وهو من تلك الدرجة التي تمنى عمر بن الخطاب أن يقتله فيها.

صباح كل يوم يشهر الفقر فكيه أمام رامي فلا يفلح جناح التغاضي أو تبرير العجز عن إجابة مسألة ابنته "رنين" وهي تطالب بثمن كراسة وأقلام أو حتى درس تقوية.

ويتابع رامي:" رنين ابنتي الكبرى متفوقة ولا أملك أن أوفر لها ثمن ما تطلبه المدرسة والدروس وحتى إذا طلبت مصروفًا لا أملك، أبكي عندما تطلب ابنتي الأخرى سريرًا وألعابًا وحجرة نوم مثل بقية الأطفال وأخرج من البيت".

قبل شهور أوصل قطار الفقر رامي إلى محطة تكررت زيارته لها وهي مراكز "الأونروا" لتوزيع المساعدات ولكن هذه المرة عاملاً يحمل أثقال المعونات مقابل شيكل واحد من صاحبة كوبونة الاستلام.

ويضيف: "حالياً أحاول العمل كشيّال في مراكز الأونروا، حيث أذهب من البريج لمركز الأونروا بمخيم النصيرات مشياً على الأقدام وأحمل لأي مستلم كوبونة مساعداته من شباك الاستلام حتى السيارة أو العربة مقابل أي شيء وأحياناً لا أعود سوى بشيكلين وأحياناً أعود مرة أخرى مشياً على الأقدام ولم أكسب شيكلًا".

ويقرأ رامي عيد العمال من كتاب آخر، فالحاصلون على إجازة من المؤسسات والدوائر كافة ربما يسلّون أسرهم بشيء جديد من الطعام أو الترفيه بينما هو لا يملك أن يجيب مسألة شيكل واحد لستة أطفال يحومون في فناء البيت وينتظر هو نومهم في عيد العمال حتى يعود للمنزل.

اخبار ذات صلة