بزاوية منفرجة توسّع الولايات المتحدة الأمريكية مساحة أنشطتها العسكرية في الشرق الأوسط سواء بالتدخل المباشر أو باستخدام الوكلاء والأصدقاء وعلى رأسهم (إسرائيل).
قوس الأهداف الأمريكية يمتد الآن من كوريا الشمالية حتى غزة المحاصرة في ظرف إقليمي تتحرك فيه معظم دول الشرق الأوسط بين خاضع ومتواطئ مع الأهداف الأمريكية الإسرائيلية المشتركة.
وكان "جوزيف دانفورد" رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية أنهى أمس زيارة هي الرابعة لـ(إسرائيل) بعد سنة ونصف، ناقش فيها قضايا أمنية واستخبارية، التقى خلالها مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت، للمرة الرابعة منذ توليه المنصب واجتمع مع وزير الأمن " ليبرمان" ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لمناقشة تدخل إيران وحزب الله في سوريا، والبرنامج النووي لإيران.
وقالت "معاريف" إن "دانفورد" ناقش القضايا المشتركة بين (إسرائيل) والولايات المتحدة، وبينها التعاون الأمني والاستخباري، والمناورات العسكرية المشتركة، والحرب على (داعش).
إيران أولاً
فتيل الاشتعال مثبّت من فترة لكن طوله أكثر من المعتاد ما يعني أن ساعة الصفر ستأتي بعد حين مع قدوم "ترامب" لقمرة القيادة ورغبة الدول العربية في حلف سنّي لمجابهة إيران ومعاداة المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
منذ عشرات السنين حافظت معظم دول الشرق الأوسط على دور "مفعول به" لا "فاعل" في توازنات وسياسة المنطقة فبقي الفاعل أمريكا وأصدقاؤها وأهمهم (إسرائيل) وإن اختلفت الأولويات والعداوات لكل منهما.
ويؤكد الخبير العسكري اللواء واصف عريقات، أن تكرار زيارة ولقاءات رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية مع نظيره الإسرائيلي وقادة الاحتلال يعكس حجم التحديات والترتيبات لاعتداءات منوي القيام بها على دول وأطراف عربية وإسلامية.
ويضيف: "الظرف الإقليمي والدولي يعكس نفسه والتصريحات الأمريكية-الإسرائيلية واضحة وهناك تهديد إسرائيلي للفلسطينيين وتدخلات إسرائيلية في الإقليم اهمها النووي الإيراني الذي ينال اهتمام أمريكا وإسرائيل".
وختم "أوباما" عهد حكمه للولايات المتحدة الأمريكية بقرار المساعدات ودعم مالي وعسكري الدائم لـ(إسرائيل) بتخصيص (38) مليار$ لعشر سنوات بينما زودتها مؤخراً بطائرات حربية عملاقة ضمن تعاون عسكري استراتيجي قديم بين البلدين جعل الخبراء يصفون (إسرائيل) بأنها حاملة الطائرات الأمريكية في المنطقة.
الاستراتيجية الامريكية التي قدمت أكثر من (150) مليار$ مساعدات لـ(إسرائيل) حسب الاحصاءات الرسمية هدفها أن تبقى (إسرائيل) متفوقة على محيطها ولاعب أساسي في المنطقة وأن تظل قاعدة أمريكية متقدمة.
ويقع الملف النووي الإيراني في بؤرة الاهتمام الإسرائيلي منذ عقد مضى و(إسرائيل) تحاول حسب قول المحلل عريقات جرّ الولايات المتحدة للزجّ بها في قتال مع إيران بينما تريد أمريكا أن تكون لاعباً مهماً في المسألة العربية ككل وصراعات " اليمن-سوريا-العراق" وبقية الإقليم.
إعادة نظر
وكما أن إعادة التأمل في لوحة فنية شهيرة يكشف لك مزيدا من التفاصيل لا تقرأها من بعد فإن إخفاقات (إسرائيل) المتوالية منذ حروب تموز (2006) وحروب غزة (2008-2014) دفعت أمريكا والغرب لإعادة تقييم موقع ومستقبل (إسرائيل).
ويرى الخبير العسكري العميد يوسف شرقاوي أن النشاط الامريكي-الإسرائيلي المكثّف يؤكد وجود ضوء أخضر عربي لضرب قواعد المقاومة في غزة ولبنان وتصفية أهم القضايا الوطنية وعلى رأسها قضية فلسطين وإضعاف حزب الله تمهيداً لتقسيم سوريا.
ويتابع:" الهدف الأساسي هو إيران لكنهم يجتهدون لتصفية مقاومة غزة ولبنان ونحن مقبلون على أفعال دراماتيكية، وتزود "إسرائيل" بطائرات متقدمة تقلع وتهبط بسرعة إذا تعرضت المطارات للخطر ليس من فراغ وبعد هزائم إسرائيل من سنة 2006 بدت أنها غير قادرة على حماية نفسها".
ولا يستبعد شرقاوي أن تغامر (إسرائيل) بوجود دعم أمريكي فتنفذ عملية "كوماندوس" كبيرة في سوريا او إيران لتعيد تجسيد بطولة اليهودي وتفوق "داوود" على "طالوت" فتقوم بكيّ وعي الإقليم أنها لازالت قوية.
اما المحلل عريقات فيؤكد أن (إسرائيل) تتذرع دوماً بوجود (70-100) ألف صاروخ لدى حزب الله كاسرة للتوازن وتوجه ضربات لحزب الله متكررة لتثبت أنها رقم صعب.
النازي الجديد
وحده الصليب المعقوف ينقص توقيعات "ترامب" على كافة القرارات والترتيبات في المنطقة لتؤكد بالقطع أنه يجسّد شخصية "هتلر" آخر ونازية جديدة تبطش في كافة الاتجاهات.
وظلت غزة على ضعفها الحلقة الأقرب والساحة المرجحة دوماً لأي عدوان عسكري إسرائيلي بمباركة أمريكية وربما قريباً بمساهمة أطراف من الطوق والجوار العربي إن وصلت مرحلة الإجهاز ومحاولة شطب المقاومة.
ويقول المحلل عريقات إن تصريحات "ليبرمان" عن حرب غزة تعكس جهله في المؤسسة الأمنية والعسكرية وقد صرح طوال سنوات مضت بضرب السّد العالي وإعادة لبنا لعهود قديمة وتحويل غزة لملعب كرة قدم.
ويضيف:" آيزنكوت الذي اجتمع مؤخراً مع رئيس الأركان الامريكي لديه خبرة وتقدير موقف وحتى قادة الجيش الإسرائيلي عندما يكون هناك موقف تعبوي عسكري يعلمون أن فاتورة الحساب عالية وأنهم ربما يتلقون هزيمة".
ويجري كل ذلك في عهد "ترامب" الذي تتركز خبرته في المال والاقتصاد دون خبرة أمنية وعسكرية لكنه استقدم أباطرة المال لصنع القرار وأقال كثير من المسئولين الكبار القدامى ما يعكس حسب تفسير المحلل عريقات عدم خبرة وتهور كبير.
اما الخبير شرقاوي يقول: "أمريكا أدخلت مزيد من الأهداف لها في عهد ترامب بدءً من كوريا وحتى غزة وهو يعيد إنتاج النازية ويريد أن يدفّع العالم أتاوة بالهيمنة والجنون الامريكي والجنون دائماً بداية النهاية كما حدث مع هتلر".
ورغم حالة الاندفاع الأمريكي والرغبة الإسرائيلية في إحداث تغييرات استراتيجية على رقعة الشرق الأوسط قد تكلفهم خسارة ليست بسيطة إلا أن الاطراف الاخرى بدءً من قوة إيران وضعف غزة لا تسلم أصابعها لتقليم الأظافر ومن الممكن أن تفاجئ الجميع.