استغل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الظروف السياسية الحالية، وقرب الانتخابات الداخلية (الإسرائيلية) واتخذ قرارا تاريخيا بوقف مهام البعثة الدولية المؤقتة في مدينة الخليل، TIPH والتي تعمل منذ 24 عاما لتوثيق انتهاكات الاحتلال بالخليل في أعقاب مجزرة الحرم الإبراهيمي.
البعثة تتكون من خمسين مراقبا من جنسيات سويدية ونرويجية وايطالية وسويسرية وتركية، ويتم تجديد انتدابها كل ستة أشهر، مع العلم أنها بعثة مدنية غير مسلحة، تعمل على مراقبة الأوضاع في المدينة.
وتقول (إسرائيل) إن البعثة الدولية مؤلفة من رجال شرطة من دولة إسلامية معادية مثل تركيا، ودول مؤيدة للفلسطينيين، وتؤيد مقاطعة (إسرائيل) مثل السويد والنرويج، وأن أفراد البعثة يتدخلون بعمل جنود الجيش والشرطة الإسرائيلية، وتخلق احتكاكا مع المستوطنين، وتشجع على نزع الشرعية عن (إسرائيل).
وفي التعقيب على ذلك، قال وزير العدل الأسبق فريح أبو مدين الذي كان مسؤول التحقيق الفلسطيني في مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، إن المجزرة كانت فرصة للتخلص من الاستيطان في الخليل وكان دور اليسار والصحافة في (إسرائيل) مشجعا لإسحاق رابين رئيس الوزراء آنذاك.
وأوضح أنه كان مكلفا من نقابة المحامين لقيادة التحقيق الفلسطيني في مجزرة الخليل، مشيرا إلى أن التقرير الفلسطيني كان قويا ومدعوما برأي عام، وحددنا يوم إعلانه في القدس، إلا أن ضغوطات من تونس تبعتها اتصالات من الرئيس الراحل ياسر عرفات حالت دون نشر التقرير بعد مكالمة طويلة لم أفهم من خلالها الحكمة من وقف النشر.
وأضاف: في نفس الليلة علمت أن رئيس أركان جيش الاحتلال امنون ليبنون شاحك وصل تونس مع شخصيتين فلسطينيتين لهما صلة بالمواضيع الأمنية وعقدا اجتماعا قصيرا تم بعده الاتصال لوقف النشر ولا أعلم ماذا جري لكن أوسلو كانت قد وقعت قبل المجزرة بستة شهور وضاعت الفرصة الذهبية لطرد الاستيطان وتم الاستعاضة بإرسال فريق دولي.
وأُسست هذه القوة بموافقة الفلسطينيين وسلطات الاحتلال الإسرائيلي على أن تُجدد مهماتُها كل ستة أشهر، بموافقة الطرفين، بهدف تحقيق الأمن والهدوء للفلسطينيين، فيما تقوم بكتابة تقارير عن الخروقات والأحداث ترسل نسخ منها للفلسطينيين والإسرائيليين والدول المشتركة في القوة.
ولا يُسمح لها بالتدخل في الأحداث إلى أن أتُّهمتْ القوة بأنها تُناصر الفلسطينيين، وتعتدي بالضرب على المستوطنين، واتهمت أيضا بأنها تسرق الأموال المخصصة لها، واتهمت أيضا بأنها تُناصر حركة المقاطعة، بي دي إس، وأنها تعتدي بالضرب على الأطفال اليهود.
وقال المختص في الشؤون الإسرائيلية توفيق أبو شومر إن عدم موافقة نتنياهو على تجديد مهماتها لا يخضع فقط لبرنامجه الانتخابي، ورغبته في الهروب من ملفات الفساد، بل إن غايته الرئيسة هي احتلال مدينة الخليل.
وأضاف أن احتلال المدينة يتأتى من خلال تهجير سكانها، وإغلاق مصانعها التي تنافس مصانع (إسرائيل)، وإجبار أصحاب رؤوس الأموال على الهجرة إلى البلاد العربية، بخاصةٍ بعد أن نظَّم المتطرفون أكبر تجمع للحارديم يُقدر بعشرات الآلاف وسط مدينة الخليل، في شهر نوفمبر 2018 وأسموه (سبت الخليل).
وفي آخر تقرير غير منشور صادر عن البعثة ذكر أن سلطات الاحتلال الاسرائيلية تنتهك القانون الدولي بشكل منظم في مدينة الخليل، لكنّ صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، قالت إنها اطلعت على مضمون التقرير.
واستنادا إلى الصحيفة الاسرائيلية فإن التقرير الذي جاء في 100 صفحة، صدر بمناسبة مرور 20 عاماً على إنشاء البعثة، لافتةً إلى أن التقرير يستند إلى أكثر من 40 ألف حادثة، وقعت في الخليل خلال السنوات العشرين الماضية.
وقالت "هآرتس": " يُحذّر التقرير من أن المدينة أكثر انقسامًا من أي وقت مضى، بسبب تصرفات حكومة الاحتلال الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين"، مضيفا أنه من الواضح انتهاك (إسرائيل) بشكل خطير ومنتظم للحق في عدم التمييز، وكذلك الالتزام بحماية السكان الذين يعيشون تحت الاحتلال من الترحيل".
وتابعت: "يعتبر التقرير الاستيطان الإسرائيلي في الخليل انتهاكًا للقانون الدولي، وأن المستوطنين "الإسرائيليين" المتطرفين يجعلون الحياة في المنطقة التي تسيطر عليها (إسرائيل) صعبة على سكانها الفلسطينيين".
واستنادا إلى الصحيفة، فإن بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل تخشى من أن يؤدي نشر تقاريرها إلى رفض (إسرائيل) التمديد لها وهو الأمر الذي يتم كل 6 أشهر، وهذا ما كان فعلا، إذ قرر نتنياهو عدم التمديد لها.
من جهته، طالب رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة بضرورة إبقاء البعثة الدولية او إحضار فرق حماية دولية للسكان في مدينة الخليل، للحد من جرائم الاحتلال والمستوطنين بحق سكان المدينة، في ظل الهجمة القائمة بحق الفلسطينيين في الضفة وخصوصا مدينة الخليل.
وقال أبو سنينة في تعقيبه على قرار نتنياهو تجميد عمل البعثة إن القرار (الإسرائيلي) أكبر من قضية الانتخابات والتنافس فيها، ويندرج ضمن محاولات الاحتلال التمهيد لارتكاب المزيد من التجاوزات بحق الفلسطينيين في مدينة الخليل خلال المرحلة المقبلة.
ومنذ عام 1994، يُقسّم المسجد الإبراهيمي، الذي بُني على ضريح نبي الله إبراهيم عليه السلام، إلى قسمين، الأول للمسلمين بمساحة 45%، والثاني لليهود بمساحة 55%، إثر قيام مستوطن يهودي بقتل 29 فلسطينياً أثناء تأديتهم صلاة الفجر يوم 25 فبراير/ شباط من العام ذاته.