يظن البعض أن الفلسطينيين حولوا نكبتهم إلى مجرد ذكرى يحتفلون بها ويقدمون عروضا أو يزرعون شجرا أو يرسمون جداريات أو يلقون الخطب ثم يذهب كل واحد إلى سبيله ليجهز نفسه للاحتفالية القادمة، والحقيقة غير ذلك لأن الفلسطيني بهذا الاحياء ليوم النكبة هو يؤكد أنه مازال على عهده بأرضه، ومازال يحمل كوشان الطابو ومفتاح الدار ليس اعتباطا بل حقيقة على حقه الذي لن يتنازل عنه مهما طال الزمن لأنه يؤمن أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، و(ما بيضيع حق ووراءه مطالب)، فكيف لو كان الطالب لهذا ملايين يعانون منذ 69 عاما من تهجير قسري ولجوء في ظروف وأحوال لا تليق بأدمية الانسان.
ولو كان الفلسطيني غير مكترث بالعودة لما بقي على مدى هذه السنوات الطوال يعيش في مخيمات لا تتوفر فيها مقومات الحياة الكريمة، أنظروا إلى مخيمات لبنان التي تتحدث عن بؤس وشقاء وحرمان يعيش فيها الفلسطيني رافضا مبدأ التوطين الذي سيمنحه جنسية البلد الذي يعيش فيه وتدفع له تعويضات مالية كبيرة تنقذه من حياة البؤس والشقاء.
ليس مخيمات لبنان وحدها البئيسة فمن زار مخيم غزة في الاردن على سبيل المثال يدرك حجم الألم الذي يعيشه أهل فلسطين المهجرون عن أرضهم، ومن يطلع على القوانين العنصرية التي يتعاملون بها مع الفلسطيني يقول ما أصبرك يا شعب فلسطين على النكبات التي تعيشها منذ 69 عاما نكبة التهجير ونكبة الحياة بقسوتها ونكبة القوانين العنصرية التي تحرمه أبسط الحقوق وحقه في العمل وحتى حقه في السفر والعودة.
يتحمل الفلسطيني هذه المآسي عاما بعد عام ليس من أجل الاحتفال بالألم والهجرة بل من أجل التأكيد على رفضه للبلد البديل ورفضه للتوطين ورفضه للتعويض وتأكيده بأنه لن يفرط ولن يتنازل عن ارضه ومدينته وقريته وبيارته وبيدره وبيته، ويؤكد أنه سيعود يوما وإن لم يعد هو سيعود ابنه وحفيده.
الفلسطيني الذي رفض التوطين في سيناء في منتصف القرن الماضي لن يقبل التوطين اليوم في سيناء أو في الأردن او في لبنان بعد أن أدرك أن كرامة الانسان في أرضه وليس في المنافي وأن العودة كرامة وعزة ورفعة، وعليه سيواجه هذا الفلسطيني الصابر الصامد كل مخططات نزعه من نفسه عبر نزعه من أرضه وسيرفض التوطين ولن يقبل بكل الملايين وكل الاغراءات لأن أرضه لا تقيم بالمال لأنها جزء من نفسه جبلت بدماء اجداده وإخوانه وأبنائه، هذا الدم الغالي لا يقدر بثمن وأن ثمنه الوحيد هو تحرير الارض واسترداد الحقوق.
وهنا هل يدرك فريق المتآمرين العرب على الحق الفلسطيني الحقيقة التي أدركها الفلسطيني قبل 69 عاما ومازال يدركها ويرفض كل مشاريع التصفية لقضيته وانتهاك حقوقه او التنازل عنها: فكرة الحلول المطروحة اليوم والتي تعتمد على فكرتي التوطين والوطن البديل، والتي يحاول بعض العرب فرضها بالتعاون مع الإدارة الامريكية والاحتلال الصهيوني.
نحن على يقين أن الفلسطيني الذي أفشل مئات من القرارات والمشاريع والمبادرات لتصفية القضية الفلسطينية منذ قرن من الزمن لا يمكن له أن يقبل بالتصفية اليوم وهو على هذه الدرجة من الوعي والادراك، وعليه لن يردع هؤلاء المتآمرين من العرب والفلسطينيين على حقوق الشعب الفلسطيني إلا التصميم على التمسك بالحقوق والدفاع عنها بالمقاومة بكل أشكالها وعلى رأسها المقاومة المسلحة والتي تشكل العامل الأهم في المواجهة واسترداد الحقوق.