مقال: حماس وحزب الله... بعيون إسرائيلية

 

عدنان أبو عامر       

حزب الله وحركة حماس هما منظمتان لحرب العصابات، تطورا خلال أقل من عشرين عاما إلى نوع من الكيانية السلطوية، وقد فعلا ذلك داخل منطقة صغيرة نسبيا لتتلاءم مع حرب العصابات، وفي حالة قطاع غزة على الأخص المناطق المبنية المناسبة لهذا النوع من القتال.

حزب الله كما تقول التعبيرات العسكرية الإسرائيلية، المنظمة الأكثر تجربة ذات المعرفة الأمنية الذاتية، ومع ذلك فإنه يتعلم من إدارة حركة حماس لمعركة الرصاص المنصهر، ويرد وفقا لمصالحه.

التهديد العسكري الأساسي الذي ينتجه حزب الله وحركة حماس ضد إسرائيل هو إطلاق غير منقطع من الصواريخ وقذائف الهاون الثقيلة، وبمسافات مختلفة وبمقادير مختلفة والموجهة مباشرة ضد سكان الدولة.

والقوة العسكرية التابعة لحركة حماس وحزب الله تضيف إلى التهديد من الناحية الأخرى ترسانة عمليات حرب العصابات على طول الحدود وداخل إسرائيل: كاستخدام العبوات الناسفة من مختلف الأنواع، استخدام القناصة، الرمي من الكمائن، استخدام السيارات المفخخة، محاولات خطف جنود ومدنيين، والأهم استخدام الاستشهاديين مع الأحزمة الناسفة.

إلى جانب الخبرة العسكرية والعقيدة الدفاعية والهجومية والخبرة في مجال التفجيرات، وإنتاج مواد متفجرة ووسائل تفجير مرتجلة تتعلمها المنظمات بوسائل مختلفة منذ وقت طويل.

بناء القوة العسكرية لحركة حماس وحزب الله هو عملية منظمة نابعة من استخدام القوة، على سبيل المثال منظومة الصواريخ وقدرة الدفاع عن الأرض، ومن ضمن ذلك استخدام الأنفاق للقتال وللتهريب.

في التعبير الإسرائيلي تختلف النظرة إلى حزب الله وحركة حماس اختلفتا عن باقي الحركات المسلحة، على ضوء تحولهما إلى كيانات سلطوية وسياسية واجتماعية، قوتهما العسكرية ارتسمت كخليط من العمل المسلح وحرب العصابات والقوة العسكرية النظامية.

إضافة إلى ذلك، فإن الأرض كالمناطق القروية والمدنية تحولت إلى عنصر حيوي وهام لإدامة نشاطهما الشامل بشكل عام، وسلطتهما بشكل خاص.

كما أن عنصر القوة العسكرية المنظّم ارتبط بالأرض جيدا، فقد حاول "حزب الله" تطبيق وسائل عسكرية من المدرستين الإيرانية والسورية في جنوب لبنان، وهو عبارة عن أراضٍ تخضع للحزب، حيث يمارس مجمل فعالياته وأنشطته المتصلة بالمجتمع والسياسة والجيش.

كما أنّ قطاع غزة أرض تمارس فيها حركة حماس سلطتها بمختلف مكوناتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وما يتصل بالدولة.

واستخدام المناورة البرية (العملية البرية) المتلازمة بالنيران غير المتناظرة من قبل الجيش الإسرائيلي ضد القوة العسكرية والمكونات المساندة للقوة العسكرية، إلى داخل الأراضي الخاضعة لحماس وحزب الله عرضت للخطر قدرتها على السيطرة.

تجربة الرصاص المنصهر

وبالتالي فإن البقاء الأطول للقوات داخل الأراضي الخاضعة لحزب الله وحماس كان من شأنه بالنسبة لهما فقدان مكاسب تعيدهما سنوات إلى الخلف، إلى حد المجازفة فعليا بالاحتفاظ بالمكونات الحيوية والمهمة بالنسبة لهما كمكون القوة العسكرية على سبيل المثال، هكذا ترى أوساط إسرائيلية نافذة.

الردع حيال حزب الله خلال العملية العسكرية "الرصاص المنصهر"، وتحريك الخطوات السياسية فيما يتعلق بقطاع غزة كامتداد للعملية، نجمت عن الضرر الفادح والتهديد الحقيقي لاستمرار سلطة حماس على أرض قطاع غزة، والقوة العسكرية التابعة لحركة حماس، والبنى التحتية المدنية المساندة لها.

ثمانية أعوام من حرب الاستنزاف التي سبقت عملية الرصاص المنصهر لم تنتج أو تولد أي تهديد للأرض التي تخضع لمنظمة حماس، والحقيقة أنّ المنظمات المسلحة - حركة حماس مثالا- وجدتا قدرا كبيرا من حرية العمل داخل أراضيها، إما من أجل ممارسة سلطتها الفعلية، أو كقاعدة انطلاق لشن عمليات فدائية، وعمليات حرب عصابات ضد إسرائيل، وعمليات إطلاق نيران وعمليات أرضية.

وقد جاء استخدام قوة الجيش الإسرائيلي أثناء عملية "الرصاص المنصهر"، وتركيز الجهد في مضمار الضربات النيرانية، والعملية البرية التي جاءت كاستمرار لها كانت بمثابة تهديد حقيقي لوجود القوة العسكرية لحركة حماس، مع محاولة من جانب الجناح العسكري للحركة للحفاظ على الأرض، محاولة استعدت حماس لمواجهتها، وأعدّت القطاع ليكون ميدانا للقتال.

هذا الأمر يشبه السياق مع حزب الله، حيث يبدو أنّ قصف بيروت وحده دون خلق تهديد حقيقي لجنوب لبنان، أحد أهم مراكز قوة حزب الله والمكان الذي تقع فيه حدود مباشرة مع إسرائيل لم يكن يكفي وحده لتحقيق الردع الذي حاولت إسرائيل تحقيقه في عملية الرصاص المنصهر.

كما أن السيطرة على جنوب لبنان، الذي يعتبر بمثابة دولة لحزب الله، والتماس المباشر للحزب مع الحدود الشمالية لإسرائيل هو بمثابة ثروة إقليم هام وحيوي بالنسبة لحزب الله.

ومدى ردع حزب الله، النابع من الخوف من فقدان جنوب لبنان- قاعدته المحلية الأكبر، نابع من فهمه وثقته بان الجيش الإسرائيلي سيحتل جنوب لبنان في أي حرب ضده، واستعداداته لهذه الحالة وضد المناورة البرية تبرهن على ذلك.

ويمكن هنا أن نستنبط، هكذا يقول "غيورا سيغل" عقيد احتياط في الجيش الإسرائيلي، ورئيس المختبر المفاهيمي التابع لمركز أبحاث التشغيل وبناء القوة والعقيدة والتدريب، في دراسته الأخيرة الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي، من حرب لبنان الثانية وعملية الرصاص المنصهر، أنّه لكي تتاح عملية برية ناجعة وفعالة يجب إنتاج أربعة شروط عملياتية أساسية على الأقل، لاستخدام متواصل وطويل المدى للعملية البرية في المواجهة غير المتناظرة:

قدرة قتالية غير متناظرة، باستخدام المناورة البرية المترابطة والمتلازمة مع الضربات النارية لأي عمق مطلوب في الساحة العملياتية، والقدرة على التركيز والاستخدام لهذه القوة بسرعة قدر الإمكان، ونقل الحرب إلى داخل أراضي حماس وحزب الله.

توافر قدرة متعددة التنظيم دائمة ومستمرة، لحماية الجبهة المدنية، كالجيش الإسرائيلي وقيادة الجبهة ووزارة الدفاع والسلطات المحلية ورؤساء البلديات كقادة للسلطات أثناء الحرب، أو أثناء العملية وقدرة الدفاع الفعال ضد الصواريخ.

قدرة دائمة ومتواصلة في استخدام الجهد العملياتي الإنساني بحجم كبير، بالتزامن مع القتال وبعده.

قدرة دائمة ومستمرة للاتصال والإعلام جاهزة مسبقا لمواجهة المعارك، وما بعد ذلك.

وكدرس فعال وإستراتيجي من حرب لبنان الثانية وعملية الرصاص المنصهر فإن الجيش الإسرائيلي يبدو مستعدا لتعزيز وتقنين قدرته، والمناورة في البر وبأي عمق يتطلبه الظرف، ضد تهديدات غير متناظرة مفترضة ومستقبلية.

النهج القتالي للحزب وحماس

ترى الدراسة الإسرائيلية أن لكل واحد من المنظمتين نهجه القتالي، تبلورت البنية التنظيمية العسكرية التي تستخدم تكتيك حرب العصابات، تستخدم وسائل الاستنزاف وحرب العصابات، وتستخدم أشكال من العقائد القتالية العالمية العسكرية مثل: الدفاع والهجوم والانسحاب والبقاء وتنظيم الأرض وفقا للعقيدة، وتستخدم أساليب التدريب العسكري في المدارس العسكرية إلى غير ذلك، وهذا هو السبب الذي يؤدي بهذه المنظمات إلى  التمركز بين المناورة والنيران.

حماس وحزب الله تحولتا إلى منظمات عسكرية كبرى، حيث ينتجان عددا كبير من الأهداف، ويكشفان نفسيهما لعمليات تغلغل استخباراتية متزايدة دونما سيطرة عليها.

وهذه الأمور توضح الإدعاء بأنّ المناورة البرية المترابطة مع الضربات النيرانية غير المتناظرة هو المكون الأساسي الذي يولّد التهديد الفعلي.

المناورة البرية، كما ترى مصادر الجيش الإسرائيلي، كمكون هام في استخدام القوة العسكرية ضد حماس وحزب الله لا يستطيع، وليس مطالبا بإلغاء وجود هذه المنظمات، وإنما ردعها عن العمل ضد إسرائيل في مكونات القوة العسكرية مثل نيران الصواريخ بواسطة عمليات هجومية مختلفة، ولفترة طويلة، وهو بمثابة إنجاز كبير قد يسمح بتطور ظروف سياسية أمام تسويات مستقبلية.

البث المباشر