لم تشفع أربع ساعات من البحث المتواصل بين محال بيع المعادن بمدينة غزة، للمواطن سالم فخري بالعثور على قطعة حديد صغيرة بمواصفات حددها له صاحب الورشة الصناعية من أجل صيانة الشاحنة التي يتخذ منها مصدراً للرزق.
حالة من الإحباط تربعت داخل قلب الأربعيني بعد توقفه عن العمل لفترة اجتازت الأسبوع، لعجزه عن الحصول على قبضان حديدي لإعادة تشكيله على هيئة قطعة تصلح محرك الشاحنة الذي أصابه التلف بشكلٍ مفاجئ.
الصدفة التي جمعت صاحب البشرة السوداء بمراسل الرسالة نت، دفعتنا للنبش عن سبب اختفاء معدن الحديد وارتفاع ثمنه في قطاع غزة، رغم أنه يتذيل قائمة أسعار المعادن الأرخص ثمناً في العالم ولا يتجاوز سعر الكيلو دولاراً واحداً.
فصل من فصول أزمات الحصار "الاسرائيلي" المطبق على الغزيين، عصفت بأصحاب الورش الصناعية التي تعيد تشكيل الحديد والمعروفة باسم المخارط، بعد أن شرع الاحتلال بمنع دخول جميع أصنافه إلى قطاع غزة منذ 11 عاماً على التوالي.
يفتح رواد نبيل قلبه "للرسالة" بعد أن أثقلت عليه ظروف مهنته الشاقة، ولم يعد مردودها الاقتصادي كافٍ لسد رمق أسرته من احتياجاتها الأساسية، قائلاً: "رغم أن ورشتي تعتمد على الكهرباء بشكلٍ أساسي وانقطاعها يجبرنا على توقف الآلات العمل، إلا أننا أحياناً لا نجد زبوناً يطرق بابنا طيلة اليوم نظراً لعدم توفر خامة الحديد في أسواق القطاع بشكلٍ سلس، وحين توافرها يكون ثمنها باهظا لا يمكن أن يتحمله المواطن الذي يقرر دائماً عدم شرائها والبحث عن أية بدائل أخرى".
ويوضح المعيل لأربعة أطفال بأنه دائماً ما يبحث عن الحديد المستعمل "الخردة" من أجل تسيير عمله بأي صورة ممكنة، إلا ان اسعاره ارتفعت في الآونة الأخيرة بشكلٍ جنوني وقفزت من 3 شيكل للكيلو الواحد إلى 25 شيكل، وهذا يجعلنا غير قادرين على شرائها نهائياً.
ووفق إحصاءات نشرها اتحاد الصناعات المعدنية والهندسية بغزة، فإن عدد المنشآت التي كانت تعمل في قطاع الصناعات المعدنية قبل الحصار "الاسرائيلي" 550 منشأة، أقفل منها 300 نتيجة عدم توفر المواد والحديد الذي يعد مصدر الدخل الوحيد لهذه المنشآت.
ويؤكد تاجر المعادن الصلبة أبو أحمد "للرسالة نت"، أنه منذ بدء الحصار على قطاع غزة عام 2006، تحظر (إسرائيل) استيراد الحديد بجميع أنواعه الثقيلة والتي من أبرزها (الألواح، والاسطوانات والقضبان) ما دفع تجار المعادن إلى النبش على الحديد المستعمل والمهترئ داخل أزقة قطاع غزة والذي دخل مع مرور الوقت لمرحلة النفاذ والانقراض، وتضاعفت أسعاره لما يزيد عن 200% عن سعر غير المستعمل.
ويخشى التاجر من توقف العمل في محله الذي يزيد عدد العاملين به عن عشرة عمال نتيجة عدم توافر الحديد بشكلٍ نهائي، موضحاً أن أكثر من نصف الأصناف انقرضت نهائياً، وبات الحصول عليها مستحيلاً وإن وجدت فإن أسعارها تكون خيالية لا يستطيع الجميع شراءها نتيجة احتكار بعض التجار لها.
ويفسر رئيس اتحاد الصناعات الهندسية والمعدنية فؤاد السمني للرسالة سبب ارتفاع أسعار الحديد في الأسواق الغزية بمنع الاحتلال الاسرائيلي إدخال ما يزيد عن 300 صنف منه إلى غزة ساعياً إلى تدمير قطاع الصناعات المعدنية في غزة بذريعة أنها تستخدم لأغراض عسكرية وفند السمني الادعاءات الاسرائيلية الكاذبة.
ويوضح السمني أن منع دخول الحديد وارتفاع أسعاره دفع بما يزيد عن 60% من العاملين بقطاع الصناعات المعدنية إلى التوقف عن العمل بعد أن أغلقت مصانعهم قصراً، بينما يخوض المتبقون في هذه المهنة حرباً للبقاء وعدم إغلاق ورشهم المملوءة بالآلات المهترئة والتي تمنع (إسرائيل) إدخالها بنفس الذرائع السابقة.
وطالب رئيس اتحاد الصناعات الهندسية والمعدنية في نهاية حديثه المؤسسات الدولية والحقوقية بالضغط على الاحتلال ليقف عن اجراءاته وانتهاكاته المتواصلة بحق الشريحة المظلومة التي يمثلها.