لأول مرة وبشكل رسمي، أقرت (إسرائيل) على لسان وزير حربها "أفيغدور ليبرمان" بأن حركة حماس تأسر 4 إسرائيليين في قطاع غزة، مطالبة بتمكين "الصليب الأحمر" من زيارتهم، وهو الأمر الذي دائماً ما كانت تنكره لتخفيف احتقان الشارع الصهيوني الذي يطالب بالكشف عن مصيرهم.
ويأتي هذا الإقرار كنوع من المقايضة الصهيونية مقابل تحسين الحياة الإنسانية في غزة، وهو ما عدته حركة حماس على لسان صلاح البردويل عضو مكتبها السياسي أنه "لا قيمة له، لعدم استجابة الاحتلال لشرط وقرار المقاومة بعدم الحديث في موضوع الجنود الأسرى قبل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا بعد إطلاق سراحهم في إطار صفقة التبادل السابقة".
وكانت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، قد أعلنت في الثاني من نسيان/ أبريل 2016، أن في قبضتها عددًا من جنود الاحتلال، ونشرت أسماء وصور بعضهم دون إعطاء مزيد من المعلومات، وشددت على أن أي معلومات حول الجنود لن يحصل عليها الاحتلال إلا عبر دفع استحقاقات وأثمان واضحة قبل المفاوضات وبعدها.
مؤشرات لصفقة تبادل
ويرى عمر جعارة المختص في الشأن الصهيوني، أن (إسرائيل) لديها أربعة تصنيفات ترددها في إعلامها حول جنودها الموجودون في قطاع غزة وهم: مفقودين، أسرى، جثث، والنوع الرابع هم من يصفهم الاحتلال بالمواطنين (المستوطنين).
وبين جعارة في حديثه لـ"الرسالة نت" أن الاحتلال يعرف جيداً أرقام وأسماء وتصنيفات جنوده حين يرسلهم إلى ميدان المعركة، وبالتالي لن يعجز عن معرفة عدد من قتل أو جُرح أو تم أسره، منوهاً إلى أن قادة الاحتلال يعلمون أن ما بيد المقاومة من أسرى صهاينة لا يمكن تحريرهم إلا عن طريق صفقة تبادل شبيهة بصفقة وفاء الأحرار.
ويرى أن المعطيات كافة تشير إلى أن هناك مؤشرات كبيرة لانطلاق عملية تبادل حقيقية قد تكون كبيرة في دفعات الأسرى الفلسطينيين مقابل عدد الصهاينة المأسورين لدى المقاومة، متوقعاً أن تكون المفاوضات تسير على قدم وساق، بدليل أن المقاومة قدمت قوائم لـ(إسرائيل) وتزيد من عدد الأسماء في هذه القوائم كلما تعنتت، وذلك كما فعلت في إضراب الأسرى الأخير.
وقال جعارة " أنا على يقين بأن مفاوضات التبادل قد انطلقت منذ أول فيديو أصدره القسام بما يعرف بلغة الشيفرة التي تدركها إسرائيل أكثر من المواطن، فهذه إشارات تفاوضية وقد شاهدنا مثيلها مع جلعاد شاليط"، مضيفاً "إن الذي أجرى التبادل هو نتنياهو وهو على استعداد لأن يجري تبادل آخر".
وتابع قائلاً "عملية التبادل ليست نادرة في الثقافة السياسية الإسرائيلية، وأصبح المجتمع الإسرائيلي يتقبل ذلك لأنه لا طريق للحصول على أسراهم أو جثثهم إلا عن طريق صفقات تبادل"، على حد تعبيره.
وتمكنت المقاومة في تشرين أول/ أكتوبر 2011 من الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني من أصحاب الأحكام العالية وقدامى الأسرى، وذلك بعد مفاوضات غير مباشرة مع سلطات الاحتلال برعاية مصرية استمرت خمس سنوات متواصلة، مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط الذي أسر في صيف 2006، إلا أن قوات الاحتلال أعادت اعتقال العشرات منهم في الضفة الغربية، ما عدته الحركة خرقاً لشروط الصفقة.
هل الاحتلال معني؟
من ناحيته، علق الخبير العسكري اللواء واصف عريقات، على تصريحات ليبرمان بأن لدى حماس أربعة أسرى صهاينة، بالقول إن "ليبرمان لم يأت بجديد وإنما تحدث عن حقيقة"، مؤكداً على أن الاحتلال معني بصفقة تبادل حتى لو كان أسيراً واحداً وليس أربعة.
وأضاف "هذا الأمر يقلقهم ويضعفهم ويزيد من الضغط الداخلي عليهم من أهالي المأسورين ومن المجتمع الإسرائيلي ومعارضيهم من الأحزاب الإسرائيلية الأخرى(..) نتنياهو وتحالفه بحاجة إلى للخروج من هذا المأزق ولو كان بثمن باهظ".
ووفق تقدير عريقات لـ"الرسالة نت" بأن خروج وفد حماس مؤخراً إلى القاهرة ليس له علاقة بصفقة تبادل أسرى، ولكنه لم يستبعد أن يكون ليبرمان الذي تحدث في هذا السياق ضمن وضع إسرائيلي داخلي، أن يكون وجه بذلك رسالة في هذا التوقيت بالذات من أجل أن يتدخل المصريين لفتح ملف الأسرى الصهاينة".
وعبر عريقات عن اعتقاده بأن وفد حماس لن يكون من أولوياته صفقة التبادل حتى لو بحثت هذا الملف مع مصريين بشكل غير رئيس، لأن الأولوية بالنسبة لحماس هو الوضع الفلسطيني أولاً ومن ثم العلاقة المصرية وضمان ضبط الحدود، معللاً ذلك بأن مصر قلقة على حدودها وهي بحاجة إلى مساعدتها في ضبط الحدود.
نوع من الابتزاز والتحريض
أما الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، فقد اعتبر أن ما جاء به ليبرمان " أسلوب جديد للتفاوض وهو تفاوض علني وفيه نوع من الابتزاز والتحريض الكبير على حركة حماس على اعتبار أن هذا الحديث يسمعه جمهور الشعب الفلسطيني في قطاع غزة".
وأكد عوض لـ"الرسالة نت" أن هذا الاسلوب التفاوضي الجديد للضغط على حماس، ليس من أجل الوصول لنتائج بقدر ما هو نوع من التحريض من خلال الجمهور الفلسطيني، وكأن نتنياهو يقول إن حماس ترفض التسهيلات".
وتوقع عوض ألا تدخل (إسرائيل) في صفقة تبادل مع حماس حول الأسرى في الوقت الحالي على الأقل، لأنها ستُغضب كثيرًا من الأطراف التي تعتبر حماس "إرهابية" وتريد عزلها، مستبعداً أن تخطئ (إسرائيل) في إنقاذ حماس من خلال التفاوض معها على الصفقة وتجعلها تحقق إنجازًا جديدًا.