افترشوا الأرض والتحفوا السماء، وتناولوا إفطارهم وسحورهم أمام بوابة مقر رئاسة حكومة رامي الحمد الله في رام الله، مطالبين بعودة صرف رواتبهم التي قطعتها السلطة عنهم وعن عائلاتهم، بعد أن أمضوا زهرة شبابهم في سجون الاحتلال.
وبدأ الأسرى المحررون الذين قطعت السلطة رواتبهم في الضفة الغربية، اعتصاماً مفتوحاً أمام مقر رئاسة الوزراء في رام الله، أمس الأحد، وباتوا ليلتهم الأولى على "رصيف الحكومة".
وكانت وزارة المالية برام الله قد قطعت رواتب نحو 277 أسيراً محرراً من حركة حماس، أفرج عنهم في صفقة "وفاء الأحرار"، الشهر الماضي، بينهم نحو 55 من الذين أعيد اعتقالهم، ويقضون حالياً أحكاماً مختلفة في سجون الاحتلال، وتعتمد عائلاتهم على الرواتب التي تصرف لهم.
"قضيتنا وطنية بالدرجة الأولى، وإنسانية بالدرجة الثانية، وأخلاقية ثالثاً"، قالها المحرر عبد الله أبو شلبك لـ"الرسالة نت" وهو ينظر لأطفاله وأطفال المحررين وزوجاتهم الذين تواجدوا بالاعتصام رغم الصيام ودرجات الحرارة المرتفعة.
ومضى بالقول:"نعيش حالة من الصدمة من قرار وقف رواتبنا، وعدم تجاوب الجهات الرسمية معنا حتى الآن، (...) هناك من يريد أن يبقي الأمر ضبابياً دون توضيح أو رد علينا".
وأشار المحرر الذي أمضى عشرين عاماً في سجون الاحتلال إلى أن المحررين الذين قطعت رواتبهم بالضفة المحتلة قرابة 22 محرراً من صفقة وفاء الأحرار، بينهم محررين أعيد اعتقالهم وهم حاليا في سجون الاحتلال.
واستهجن أبو شلبك القرار الذي يقضي "بقطع رزق الأسرى وعائلاتهم، وهم يعتمدون على الراتب الذي يعد دخلهم الوحيد".
وقال:"كثيرون منا من لا يملكون محالاً تجارية أو مهنة يعتمدون عليها، نعتمد على الله ومن ثم على الراتب الذي نتقاضاه منذ خروجنا من السجن، فشخص مثلي في العقد السادس من عمري، وأعيل أسرتي ولدي طفلين، لا أملك مهنة أو مصدر رزق آخر، ماذا بمقدوري أن أفعل".
وتابع:"هذا القرار غير الأخلاقي، ومن اتخذه لا يملك رحمة، ولم يراعي حرمة الشهر الفضيل، ولا حلول العيد علينا ونحن دون مصدر دخل".
ويشار إلى أن أبو شلبك أب لطفلين، ولا يملك دخلاً آخر سوى راتبه الذي توفره السلطة له، منذ تحرره من سجون الاحتلال (الإسرائيلي).
من ناحيته، أشار المحرر محمد بشارات من بلدة طمون، إلى أن القرار الذي اتخذته السلطة بحقهم، "مجحفٌ وغير متوقع".
ولفت بشارات، الذي أمضى 20 عاما في سجون الاحتلال إلى أنه كان قد تم إيداع راتبه للشهر الماضي في حسابه بالبنك، واستلم رسالة نصية بذلك على هاتفه المحمول، وعند ذهابه باليوم التالي لسحبه تفاجأ بعدم وجود الراتب، وأبلغه البنك حينها أن وزارة المالية أرجعت الراتب لخزينتها، دون توضيح.
وأشار بشارات إلى أنه ملتزم بتسديد شيكات وقروض للبنك، وأنه يعتمد على الراتب الذي بات "مقطوعا" لتسديدها.
أما المحرر جهاد أبو جامع من بلدة عقربا جنوبي نابلس، والذي شارك بالاعتصام برام الله رغم وضعه الصحي السيئ، فقد قطعت السلطة راتبه الشهر الماضي وأعادت صرفه بعد مدة، إلا أنه يتخوف من عدم صرفه الشهر القادم.
ويعاني المحرر أبو جامع من مشاكل صحية أفقدته القدرة عل الحركة والنطق بشكل سليم، ويحتاج شهرياً ما يقرب من ألفي شيكل للعلاج.
من جانبه، أشار عبد الله أبو شلبك إلى أن المحررين، وعائلات الأسرى في سجون الاحتلال الذين قطعت رواتبهم، سيواصلون اعتصامهم حتى يتم الاستجابة لمطلبهم بإعادة حقهم.
وأضاف: "ندرس القيام بخطوات تصعيدية أخرى في حال لم يتم التجاوب معنا، فنحن لم نتلقى أن وعودات أو مبشرات بحل قضيتنا الإنسانية حتى الآن".
واستدرك قائلا:"عندما تحررنا من سجون الاحتلال، قال لنا عباس أنه سيؤمن لنا راتبنا ونحن جالسون في منازلنا، ووعد بتوفير حياة كريمة لنا، لكننا الآن نجد أنفسنا في الشارع وننام على الرصيف مطالبين بحقنا منه".
وتابع:"بدلا من أن يكرّم من ضحى بحياته وحريتهم وأمضى عشرات السنين خلف القضبان، يجد نفسه الآن لا يملك ثمن ملابس العيد أو الحليب لأطفاله، هذا أمر معيب وحقنا يجب أن يعود".
وذكر الأسرى المحررون أن ممثلين عن الحكومة جمعوا أسماء المعتصمين وأرقام بطاقاتهم الشخصية وهواتفهم، للرد عليهم فرديا، إلا أن المحررين أكدوا رفضهم لحل القضية بشكل فردي، وطالبوا بالعدول عن القرار بشكل كامل.
وقال أبو شلبك لـ"الرسالة نت":"همتنا عالية، والسلطة حرقت كل القوارب، ولم يتركوا لنا خياراً آخر، وإذا خرجنا من هنا دون تحقيق مطلبنا، سيضيع حقنا ومستقبلنا ومستقبل أطفالنا وعائلاتنا".