يبدو أن الخطوات المصرية الأخيرة الرامية إلى تحسين العلاقة مع قطاع غزة والتخفيف من حصاره أزعجت قيادة السلطة وأربكت حساباتها، لا سيما أنها تتزامن مع الإجراءات العقابية التي اتخذها رئيسها محمود عباس بحق القطاع المحاصر ضمن جملة "الخطوات غير المسبوقة" التي هدد بها بدعوى إنهاء الانقسام.
وبدى هذا الإرباك واضحا من خلال التصريحات المتخبطة لقيادة السلطة التي خرجت تحرض على ضرورة استمرار حصار غزة وتشديد الخناق عليها، وكان أبرزها وصف أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب ما تقوم به مصر تجاه غزة بـ"التصرف الخاطئ".
ووصل هذا الانزعاج إلى وصف حركة حماس بأنها "جهة غير مخولة بالبحث في الشأن الفلسطيني مع أي جهة خارجية سواء أكانت مصر أو غيرها"، وليس انتهاءً بوصفها أنها لا تمثل الفلسطينيين، على حد زعم قاضي قضاة السلطة محمود الهباش.
وكان وفد قيادي من حركة حماس برئاسة عضو المكتب السياسي روحي مشتهى غادر إلى القاهرة إلى جانب وفد فني من اللجنة الإدارية الحكومية بغزة؛ لاستكمال ومتابعة التفاهمات مع مصر.
ويتزامن ذلك مع استمرار تدفق الوقود المصري إلى قطاع غزة، وتواصل العمل في المنطقة الأمنية الحدودية ضمن التفاهمات التي جرت في القاهرة مؤخراً.
ومن المهم ذكره أن عباس حاول جاهداً إفشال التفاهمات والضغط على مصر لعدم إدخال الوقود واحتياجات القطاع الإنسانية، إلا أن الأخيرة لم تستجب له، مما يؤكد أن العلاقة بين الجانبين لم تعد كما كانت.
ويتضح ذلك بعد رفض القاهرة استقبال أي من قيادات السلطة بحجة عدم وجود ترتيبات للزيارة وانشغال القيادات المصرية، الأمر الذي يدلل على طي مصر لصفحة عباس الذي تجاوز عمره الثمانين عاما، ومحاولة التعامل مع آخرين على الساحة الفلسطينية.
** تآكل شرعيته
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي مؤمن بسيسو أن ما يثير غضب أبو مازن ما يراه من تآكل شرعيته التمثيلية الناجمة من خروج غزة عن دائرة سيطرته المباشرة، إلى جانب الاتهامات الأميركية والدولية له بعدم اكتمال تمثيله السياسي والجغرافي للفلسطينيين اللازم لإنجاز مقتضيات التسوية مع (إسرائيل).
ويوضح بسيسو في مقال له أن موقف عباس وحركته الحانق اتجاه تفاهمات حماس مع تيار دحلان يبدو طبيعيا في ظل الخلل البيّن الذي أصاب خطته الموضوعة لاستعادة غزة، والطريق الممهدة لعودة خصمه اللدود محمد دحلان.
ويضيف أن أبو مازن سيعمد إلى تكثيف إجراءاته المتخذة ضد غزة، وسيحاول جاهدا فرض مزيد من التأثير على القطاعات الرئيسية والخدمات الحيوية، بهدف تأليب أهالي قطاع غزة للخروج إلى الشوارع والصدام الميداني مع حماس.
** رهان خاسر
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة أن تقارب حركة حماس مع تيار دحلان قض مضاجع قيادة السلطة كونها تراهن على تفسيخ الساحة الفلسطينية الذي مهد الطريق لعباس على مدار السنوات الماضية كي يتفرد بالقرار لوحده.
وأكد أبو شمالة في حديثه لـ"الرسالة نت" أن الوحدة الفلسطينية الجديدة كفيلة بأن تستقطب كل التنظيمات على الساحة، الأمر الذي يُشعر عباس بالخوف على عرشه ويزيد من فزعه، لا سيما أن مصر بدأت بخطوات عملية اتجاه تفكيك حصار غزة ولم تعد تستجيب لعباس.
ويدلل الكاتب أبو شمالة على ذلك برفض مصر استقبال عباس وفقا لما كشفه السفير الفلسطيني في الأردن خيري عطا الله، معتبرا هذا الأمر مؤشرا خطيرا جدا ويعكس وجود بدائل بدأت الأولى في التعامل معها بديلا عن عباس.
ويشير إلى أن مصر اتخذت قرارها ضمن سياسة جديدة تعمل من خلالها على تغيير المعادلة الفلسطينية عبر سعيها إلى تحقيق التقارب بين حماس ودحلان.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن محاولات قيادة السلطة الفاشلة لخنق غزة سترتد عليها ولن يُكتب لها النجاح، في ظل استمرار الانفتاح المصري على القطاع.