لم تبرح سفينة الاسلام مكانها يوماً دون أن تستمر في شق طريقها الطويل "ذات الشوكة"، والذي قدر الله لها أن تسبح بلججه دون توقف، من التحق بها وعاش في سبيلها ولقي الله شهيداً من أجلها ناله الفوز الأكبر، ومن تخاذل وقصر ولم يحجز مكانه عليها خسر نصيبًا من الأجر.
ما أعظم الذين ركبوها وعملوا لأجلها طويلاً إلى أن بذلوا نفوسهم رخيصة ًفي سبيل الله، تلك الثلة القليلة التي اختارت أن يخلد التاريخ اسمائهم وسيرتهم بماءٍ من ذهب، لم يتوانى د. حسين أبو عجوة عضو قيادة جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، وعضوا القيادة السياسية لحركة حماس، بتكريس حياته في سبيل الله بين طلب العلم وتعليمه، داعياً وخطيباً ومحفزاً للجهاد في سبيل الله.
نبذة عن حياته
ولد الشهيد حسين أحمد مصطفى أبو عجوة عام 1963، ودرس المرحلة الابتدائية بمدرسة هاشم الابتدائية للاجئين بمدينة غزة، وأنهى المرحلة الاعدادية من مدرسة الشجاعية الإعدادية بمدينة غزة عام 1975، والثانوية بمدرسة يافا بمدينة غزة عام 1981.
وأنهى مرحلة البكالوريوس في تخصص الدعوة وأصول الدين من كلية الدعوة أصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية عام 1986م بتقدير جيد جدًا، وانهى عام 1990 دراسة الماجستير في الفقه المقارن، ثم الدكتوراه بالفقه الاسلامي من كلية البنات جامعة عين شمس عام 2000 وحصل على تقدير ممتاز مع مرتبه الشرف الأولى.
معلماً مميز وخطيباً فذ
عمل الدكتور الشهيد استاذاً مساعداً للفقه وأوصله بقسم الدراسات الإسلامية كليلة والآداب والعلوم الإنسانية – جامعة الأقصى منذ 1995، ثم عمل أستاذًا مساعدًا (غير متفرغ) لأصول الفقه في جامعة القدس المفتوحة، كذلك محاضرًا غير (متفرغ) للفقه وأصوله في معهد دار الحديث الشريف بمدينة خان يونس منذ عام 1995- 2000.
لم يتوانى الشهيد الذي يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب بأن يترك له بصمة بكل مسجد تخطوه قدماه ويترك أثراً في قلوب المصلين، مستثمراً صوته العذب، وبلاغته بالخطاب حيث كان يبكي كل من يصلي خلفه أو يستمع لقوله، فمنذ العام 1997 عمل خطيباً بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وألقى الآلاف من الندوات العلمية المتخصصة بمساجد قطاع غزة، وتولى رئاسة لجنة الإفتاء الشرعي بجامعة الأقصى.
وفي حديث سابق للدكتور خليل الحية نائب رئيس حركة حماس في قطاع غزة قال " كنا في قيادة حماس عندما نريد أن نتوجه إلى الله بالدعاء، نجعل د. حسين هو من يؤمنا ويدعوا لنا، وحين نستغفر الله نجعله يدعو لنا لما نراه في من صلاح".
بين زملائه
لم يبقى زميلاً للشهيد الدكتور إلى وقد أوجعه رحيله ولا زال يذكره بمجالس العلم ، الرجل الخلوق المرح المعطاء والمرشد الواعظ، جميعها صفات نسبت له لمن رافقه وجلس جواره.
ولعل أبرز المتأثرين برحيله رفيق دربه د. "أحمد شويدح " – عميد كلية الشريعة والقانون السابق في الجامعة الإسلامية بغزة، وكان له نصيب الأسد من مرافقته حيث بدئا بدراسة المرحلة الجامعية معاً إلى مرحلة الدكتوراه.
يقول شويدح " عندما أتذكر مواقفي معه وأتذكر عندما احتار في مسألة تحتاج إلى اجتهاد عالم فأطمئن لرأيه، كان يحب أن يضحي فدائمًا يوفق بين الناس ويبتعد عن المشادات والأمور التي لا جدوى منها، ويضيف: كنا في وقت الفراغ نجتمع وإياه مع الأحبة فنقوم بطرح بعض القضايا ونناقشها، وكان أقوانا في الحجة والبرهان".
ووصف شويدح الشهيد أبو عجوة بأنه كان من أبرز علماء فلسطين المشهود لهم وعضواً في الهيئة الادارية لرابطة علما فلسطيني، ويطري على أنه انموذج للدعاية والعالم صاحب الفكر الوسطي، يمتلك الخلق القويم والأدب الجم.
على موعد مع الشهادة
(إننا نتمنى أن يرزقنا الله الشهادة في سبيله)، بهذه العبارة اختتم الشهيد العالم آخر درساً ديناً له بمسجد بحي التفاح ، قبل ساعات قليلة من معانقة السماء، ما إن خرج من المسجد وتوجه إلى زيارة أحد الأصدقاء التي لم تطول، وأثناء عودته على بيته تربصت به عصابة تتبع لسلطة رام الله لتقوم بإطلاق وابلاً من الرصاص على جسده ارتقت بروحه شهيداً تاريخ الخامس من يوليو من عام 2006 على أيدي مسلحين من أجهزة أمن "فتح".
ويختتم الدكتور حياته بالشهادة التي لطالما الح على الله بدعاء لها وخلفه ألاف المصلين، ليصل الخبر إلى زوجته التي سمعت صوت الرصاصات وظنت أنها خرجت من دبابات جيش الاحتلال التي كان قصفها يجاور المنزل دائماً، لتتأكد من شهادته عبر مكبرات المساجد، التي نعته طوال الليل.