أنوار التنيب – موقع القصة العربية القصيرة
إنها المرةُ الأُولى التي ينْعتُني بها مازن صديقي "بمجنون" ..
ولكنَّ والدي وإخوتي يقولون ذلك كثيراً، فقد كانت لي عادةٌ أنْ أنتهزَ فُرصةَ غيابِهِم عن البيتِ وأدخلَ غُرفَهُم بهدوءٍ، وأُخرِجَ ما في دواليبِهِم من ساعاتٍ أو أدواتِ حلاقةٍ أو أدواتٍ الكترونيةٍ ثم أبدأَ بتكسيرِها وإخراجِ ما في أحشائِها ثم أُرَكِّبَ سلكاً من هُنا ومسماراً من هُناك، وآخذَ قِطَعَ الحديدِ والقِطَعَ البلاستيكية الصغيرة التي هشمتُها، لأُشكِّلَ منها شيئاً آخرَ، يجعلني سعيداً جداً بما فعلتُ، ولكنْ بعد ذلكَ صاروا جميعُهم يُقَفِّلون غُرَفَهم بالمفتاحِ!.. لماذا يَعتقِدُونَ بأنني أُخَرِّبُ أدواتهِم؟ ولماذا يضْربونَني حينما أُصلِحُ لهم أجهزتَهُم؟ لا يوجدُ أحدٌ غيرَ أُمي هي التي تدافعُ عني وتمنعَهُم من إيذائي، بل أحياناً تبكي بدلاً مني عندما تراني أتألمُ ولا أدري إنْ كانت هي تتألمُ أيضاً، فأنا أعتقدُ ذلك لأنها أحياناً تنامُ بجانبي بعدَ أنْ تضعُ الكمَّاداتِ البارِدةَ على رأسي.
أحياناً أجدُ نفسي هادئاً مفكراً.. وأحياناً أرى في عينَيَّ الأشياءَ الصغيرةَ كبيرةً جداً، فأكْثَرُ مِن مرَّةٍ تبِعْتُ النَّملَ إلى جُحُورِهِم، وساعدتُهم في توصيلِ بقايَا الأكلِ، وأيضاً ذاتَ مرةٍ تبِعتُ قطَّةً قفَزتْ من جِدارِ البيْتِ وعندما أردتُ أن أتبَعَها سقطْتُ على رأسي، ولكنَّني عازم مرةً أُخرى أنْ ألحقَ بها لأراها أين تسكنُ ومع منْ؟
ولا أُخفي عليكم سراً، فأنا أحياناً أرى كائناتٍ أُخرى تشاركُنا الحياةَ، وتسْكُنُ معَنا في نفسِ المكان ، فَلِي صديقٌ لا يُشبِهُني ولكنَّه قالَ لي أنَّه في الخامسةَ عشرةَ ، قريبٌ من سنِّي.. كثيراً ما يلعبُ معي عندما يجدُني وحدِي حزيناً، حتى أنَّ والدتي لاحظتْ ذلك واندهشتْ من إجابتي عندما سألتني ماذا تفعلُ في الممرِّ الخلفيِ للبيت، فقلتُ لها أنني ألعبُ مع صديقي مازن، فلماذا تندهشُ إلى حدِّ أنَّها تُرْقِيني كلَّما خرجْتُ للعبِ في ساحةِ المنزل.. فأنا لا أحدٌ في البيتِ يلعبُ معي ولا حتَّى يشارُكُني في طعامي، ولكنَّ صديقي يفعلُ ذلك، فهل أنا مريض؟!.. أمي لا تَرُدُّ على سؤالي هذا إلا بجُملةٍ واحدةٍ " أنا أُحبُّكَ كثيراً ".
شكَوتُ الأمرَ لصديقي مازن .. فقالَ لي بأنَّني مجنونٌ، ولذلكَ بإمكاني أن ألحَقُ بحمامةٍ وأستَعيرُ جَناحَيْها لأُجرِّبَ الطيرانَ في الأفقِ، اليومَ قرَّرْتُ ألَّا أنامَ حتى شروقِ الشمسِ ِلأُمسِكَ بأيِّ طائرٍ، ولكنَّ أمِّي لماذا لم تَنَمْ حتى الآنَ.. فَهَل تُريدُ هي أيضاً أنْ تُحلِّقَ معي إلى السماء ؟!