وصل الطفلان التوأمان "أحمد وحامد" إلى الخيمة، عمّت الفرحة، وملأت السعادة قلب والدهما المشتاق المحرر منصور شماسنة، فأيام وأسابيع تمر دون أن يراهما وهم المعتصم في خيمة المحررين المقطوعة رواتبهم، على دوار الساعة في رام الله، منذ 44 يوماً على التوالي.
أصوات ضحكات بريئة، أحضان وقبلات غمرت قلب الأب المشتاق، وزوايا الخيمة الصغيرة، وعيون رفاقه المحررين ترقبهم وهم يلعبون سوياً، تارة ينفخون البالونات ويطيروها في أرجاء الخيمة، وتارة يركب الصغيران على ظهر والدهما الذي انحنى على الأرض ليصعدوا على ظهره، علّه يعوضهم قليلا عن غيابه عنهم.
ورُزق شماسنة بطفليه أحمد وحامد بعد أن تحرر من سجون الاحتلال في صفقة وفاء الأحرار، بعد أن أمضى 17 عاماً خلف القضبان.
وفي زاوية أخرى، يجلس المحرر محمد بشارات، الذي أمضى عشرين عاماً في سجون الاحتلال، يتواصل مع عائلته في بلدة طمون قضاء طوباس، شمال الضفة المحتلة، عبر الهاتف، يلتقط صوراً له ولرفاقه وينشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يبذل كل ما بوسعه لإيصال الصورة وحقيقة ما جرى بحقهم، علّ الكلمة والصورة، تقصّر من عمر الاعتصام على قارعة الطريق.
يقول بشارات لـ"الرسالة نت":"تفاصيل حياتنا في قلب هذه المدينة الكبيرة، لا تختلف عن تلك الحياة التي عشناها داخل السجون، جمعتنا الخيمة من جديد، ننام على الإسفلت، تحت الشمس الحارقة، وفي ليل رام الله البارد".
يتابع:"تخيّل أنك تنام على الرصيف، وسط المدينة التي تعج بالحياة، أصوات السيارات والناس حتى ساعة متأخرة من الليل، ومنذ الصباح الباكر، عدا عما يحيط بنا من التلوث، الغبار ودخان السيارات، وعدم الراحة طيلة الوقت، فلا مكان ولا وقت للراحة هنا".
يهز برأسه قليلاً ويمضي بالقول:"اعتدنا حياة التقشف، وعشنا ظروفاً أقسى وأصعب، صمدنا 43 يوماً وسنصمد شهوراً أخرى حتى ننال مطالبنا".
وإصراراً منهم على استرداد حقهم الذي سلب منهم زوراً وبهتاناً، أعلن المحررون المعتصمون إضرابهم المفتوح عن الطعام مساء السبت الماضي، للضغط على الجهات المعنية بقضيتهم، وتعجيل حلها، وإعادة صرف رواتبهم التي قطعت.
وحول الخطوة التي اتخذها المعتصمون، يشير المحرر عبد الله أبو شلبك إلى أنها جاءت بعد فشل كل الجهود التي بذلوها في سبيل حلّ قضيتهم.
ويضيف لـ"الرسالة نت":"لم نترك أحدًا إلا وأوصلنا رسالتنا له، لمسؤولين بالسلطة، وبالأجهزة الأمنية، واللجان المركزية والتنفيذية، ومؤسسات حقوقية وهيئات الدفاع عن الأسرى، وسفارات وقناصل عدد من الدول، عدا عن رسائل وجهناها للرئيس محمود عباس، من خلال محافظ رام الله السيدة ليلى غنام، ورسالة أخرى سلمها أحد الأخوة المعتصمين معنا لعباس يداً بيد، إلا أننا لم نسمع رداً ولم نتلق حلولاً تشفي صدورنا وتنصفنا".
ويتابع:"ما وجدناه طيلة فترة اعتصامنا هي وعودات وكلام بالهواء، مجرد رسائل تصلنا بأننا نعمل على حل قضيتكم، دون أي ضمانات".
وأكد أبو شلبك على أن المحررين سيمضون في إضرابهم عن الطعام حتى يتم الاستجابة لمطالبهم، بإعادة رواتبهم كاملة دون نقصان، وقال: "نحن لا نتسوّل ولا نرجو من أحد إعطاءنا رواتبنا، هذا حقنا، وهذه الأموار لست ملكاً للسلطة ولا الحكومة، ولا مال شخصي لهم، هي حقنا وحق عائلاتنا وأهلنا الذين حرمنا من الجلوس منعهم ورؤيتهم منذ بداية الاعتصام".
وحمّل أبو شلبك قيادة السلطة تبعات ما سيحدث للمضربين عن الطعام، مشيراً إلى أن الإضراب سيكون على مرحلتين، الأولى بالاعتماد على السوائل والامتناع كلياّ عن الماء، والمرحلة الثانية سيعتمدون على الماء والملح.
وقال:"خضنا إضرابات عديدة ونحن معتقلون لدى الاحتلال، وصمدنا، ومستعدون على خوض الإضراب حتى نيل حقنا".
وكان وفد من الأسرى المحررين قد التقى بأمين سر منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات مساء السبت الماضي، وسلموه رسالة شفهية لرئيس السلطة محمود عباس، للعمل على إنهاء قضيتهم ومعاناتهم المستمرة للشهر الثاني على التوالي.
وأوضح وفد الأسرى المحررين لعريقات ظروفهم الإنسانية والاجتماعية عقب قطع رواتبهم، مؤكدين على استمرار اعتصامهم بمدينة رام الله حتى حل قضيتهم.
بدوره، وعد عريقات وفد الأسرى بالعمل الجاد على حل مشكلتهم، وبالعمل على إيصال الرسالة لعباس، والعمل على إنهاء ملفهم خلال أيام قليلة.
وقطعت السلطة رواتب نحو 300 محرر من صفقة وفاء الأحرار، 55 منهم أعيد اعتقالهم، وجميعهم ينتمون لحركة حماس، دون أي مسوّغ قانوني واضح.