شقيقة كلاب: "لو أعرف كيف عبوّا راسو لأفجرهم كلهم"

شقيقة كلاب: "لو أعرف كيف عبوّا راسو لأفجرهم كلهم"
شقيقة كلاب: "لو أعرف كيف عبوّا راسو لأفجرهم كلهم"

غزة_ أمل حبيب

أذان الظهر كان قد رُفع من مسجد النور في مخيم "كندا" وسط حي تل السلطان غربي رفح لحظة وصول "الرسالة" للمكان الذي كبر فيه مصطفى كلاب الانتحاري الأول في قطاع غزة!

غابت الحواجز الأمنية عن الحي أو عند مدخل المخيم تحديدًا، كان الوضع أبسط بكثير من أحاديث المواطنين عن المنطقة بعد حادثة تفجير مصطفى نفسه بدورية الضبط الميداني أثناء محاولته التسلل باتجاه شبه جزيرة سيناء فجر الخميس، والتي أسفرت عن استشهاد نضال الجعفري.

الشمس شديدة السطوع كما الإجابة عن سؤالنا " من هو مصطفى؟"، " دائمًا مبتسم" " عمرنا ما شكينا منه" " من البيت للجامع" "انطوائي" " ما عنده جوال"، شبه إجماع على صفاته وأخلاقه خلال حديثنا مع جيرانه وبعض من يعرف مصطفى الجار والجار فقط!

اقتربنا أكثر من صاحب محل بقالة على مفترق الشارع الأول الذي توقفت أمامه "الرسالة"، " ما عندي اشي أحكيه"، كانت ملامح وجهه تشي بالرفض قبل أن تُعرف المراسلة عن هويتها، رفض الحديث مجددًا عن مصطفى بأي كلمة واكتفى بالإشارة إلى مكان منزله.

لم تكن "الرسالة" معنية بطرق الباب أو الاقتراب من ذاك الجرح الغائر هناك، كان يكفيها أن تعلم بأن مصطفى سيتم العشرين من عمره الجمعة المقبلة، كان من المفترض أن يهتم أكثر بدراسته في كلية الشريعة الإسلامية بالجامعة الإسلامية، كان عليه الاهتمام أكثر بطريقة حلق شنبه الذي لم ينبت كرجل راشد بعد.. كان عليه الكثير قبل الموت!

الجمعة المقبلة كان من المفترض أن يهنئوه الأصحاب وقد يمازحه الآخرون "كبرت يا مصطفى

وبدك عروس".

لحية وزي أفغاني!

كل شيء كان طبيعيًا في حياة مصطفى ذاك الطفل الذي أنهى دراسته الابتدائية من مدرسة ذكور العمارية، إلى أن طالت لحيته فجأة وارتدى اللباس الأفغاني "الباكستاني" وبدأ بتصنيف المحرمات بين إخوته، وتحريم كل شيء على شقيقاته في البيت، وفق إحدى الشهادات التي حصلنا عليها.

تطور الأمر بعد عمر الرابعة عشر، حيث انطوى تدريجيًا عن أبناء الحي، وانحرف فكره بشكل لافت بعد خروج أحد أشقائه للجهاد في سوريا، والذي أكد لنا أحد المعارف بأنه كان بمثابة القدوة له.

أصغر من قابلنا في تل السلطان كانت طفلة لا تتجاوز العاشرة من عمرها، والتي عقبت بالقول أثناء حديثنا مع أمها وتلاشى صوتها تدريجيًا وهي تغادرنا إلى الشارع:" مصطفى كان طيب بس معقد ".

تلاوة القرآن كانت توقظ جارته الخمسينية أم فواز "اسم مستعار" وتقول:" ما بخاف تروح عليا صلاة الفجر لأنه صوت مصطفى راح يصحيني ".

لم تكن الجارة وحدها من شهدت بالتزامه، حيث شاركها مسجد النور في مخيم "كندا" فلقد كان تكريمه هناك شاهدًا لإتمامه حفظ كتاب الله.

لطالما سُمعت صرخات مصطفى أو بكائه المتواصل خلال ضرب ذويه له لانتمائه للسلفية الجهادية، بكاؤه الذي كان يخترق جدران منازل الجيران، لم يكن ليمتزج يومًا بأي كلمة تبدي امتعاضه أو نيته بالتراجع عن طريقه الذي اختار، بينما يشدد رفض عائلته من باب خوفهم عليه لاسيما بعد اعتقاله من جهاز الأمن بغزة لعدة مرات.

غرباء وجلطة!

كان لا بد من تخطي بيت عائلة كلاب قبل وصول مراسلة "الرسالة" لبيت جيرانه، لم يكن سهلًا التجول هناك، لاسيما وأن إشارة قد وصلت لبيتهم بأن هناك من يسأل عن مصطفى من الغرباء!

لا صورة معلقة لمصطفى على جدران مخيم "كندا"، فقط بيان تبرئة من عائلة "كلاب" للجريمة ومنفذها، تدين فيه وبشدة ما وصفته بالجريمة البشعة والخارجة عن كل معتقداتنا وديننا.

لم يكن العشريني مصطفى كما الصورة النمطية لــ "الداعشي" الذي عرفناه في سوريا أو في العراق، لم يكن أشعث الشعر، جاحظ العينين، مصطفى بات بين عشية وضحاها حديث الشارع فقط، الصغير قبل الكبير، مصطفى الذي فجر نفسه حتى انفصل رأسه عن جسده، لربما أقنعوه أن قتل المسلم لأخيه المسلم فيه تقرب من الله والجنة والحور العين!

حتمًا عليك أن تتمعن في صورة الهوية التي تداولتها منصات التواصل الاجتماعي حتمًا ستتساءل كما والدته الستينية والتي تعرضت للجلطة سابقًا حزنًا على الطريق التي سلكها ابنها، والتي لربما لم تجد إجابة ولن تجد "ليش يا مصطفى!"

أحد الجيران الذي وصلته المراسلة بعد توقيف متكرر للسؤال عن هويتها، أكد على أن الفكر المتشدد قد أعمى بصر وبصيرة مصطفى، وخلال حديثه أشار لنا من نافذة منزله إلى الباحة التي كان يلعب فيها مصطفى وأبناء الجيران كرة القدم خلال العدوان الأخير على غزة، وبات يسترجع صفاته الحميدة، إلا أن آثار الصدمة من جريمة مصطفى وفعلته لم تغب عن وجهه طيلة حديثنا إليه.

ذكرى تفجير مصطفى لنفسه على الحدود الفلسطينية المصرية تزامن مع ذكرى إيواء عائلة عمه لقادة القسام في رفح، محمد برهوم ورائد العطار ومحمد أبو شمالة، حيث مررنا من جانب البيت الذي سوي بالأرض واستشهد فيه القادة الثلاثة، ليبقى شاهدًا على وحدة الدم الفلسطيني بكل ألوانه وأطيافه.

بديهيًا ستكون الجمعة هي الأصعب على قلب أم مصطفى وقلب غزة وهو "الانتحاري" الأول، حتمًا ستتساءل وأنت تدقق النظر في صورته "أيعقل أن تكون أنت المتطرف المتشدد"؟!

كان من الطبيعي أن تتقبل "الرسالة" أي اعتراض لطريقها، حيث كان آخرها لحظة خروجها من بيت أحد الجيران للتوجه للسيارة لمغادرة تل السلطان، حين تجمهر عدد لا بأس به من المواطنين بعد صراخ رجال من عائلة كلاب وإحدى النسوة اللواتي لم يظهر منهن سوى العينين، " مين انت .. ليش بتسألي عن مصطفى"؟

لم يكن سهلًا أن تجيب "الرسالة"، أو أن تقنع إنسانًا فقد عزيزًا حتى وإن كان يحمل فكرًا مشوهًا وحتى وإن كان انتحاريًا.

أخبرتهم المراسلة بأن علينا أن نفعل الكثير قبل أن يولد "داعشي" جديد اسمه من أجمل الأسماء، علينا أن نلعن تلك الجذور المنحرفة ونقتلعها قبل أن تصل لبراءة صغارنا، علينا أن نتساءل كيف امتلأ رأس مصطفى بالسواد؟

حالة من الصمت سادت هنيهة في ذات الشارع الذي مشى فيه مصطفى مساء الخميس الماضي لآخر مرة، قطعها نحيب شقيقته من أمام بيته وهو تردد "للرسالة":" أنا مش عارفة كيف عبوا راسو، ياريت أعرف عشان أفجرهم كلهم وما يضيع مصطفى".


صورة مصطفى
21015539_1424692224318773_1935281006_n

البث المباشر