شهد الأسبوع الماضي في قطاع غزة، أحداثا جعلت من الصعوبة بمكان تقديم تقييم حقيقي للعلاقة الجديدة بين غزة والقاهرة، كما جعلت المواطن الفلسطيني عالقا بين الشعور بالإحباط أو التفاؤل.
كان الحدث الأبرز، التفجير الانتحاري شرق مدينة رفح الذي ارتقى فيه الشهيد نضال الجعفري، وهو أحد أفراد قوة الضبط الميداني التابعة لكتائب القسام، وهو حدث ميداني مهم وفارق، ويقدّم دلالات سياسية وأمنية، رغم قسوته.
في الجانب الأمني، فإن التصدّي للانتحاري في منطقة حدودية قريبة من مصر، واستشهاد عنصر أمن من حماس في الحادث، يؤكد ثابت لدى الحركة بأن أي اختراق لشبه جزيرة سيناء ينطلق من غزة هو بحد ذاته اختراق لأمن القطاع، وهذا أمر ترفضه حماس بشدة، وظهر ذلك في بيان نعي الشهيد الجعفري، حين طالبت الحركة وزارة الداخلية بـ "التعامل بحزم وقوة مع كل الخارجين عن القانون وعن قيم شعبنا الفلسطيني وأصالته".
كما يؤكد الحادث جدّيّة حماس والتزامها بوعودها في مجابهة أي أفراد يحاولون العبث بأمن مصر، في مسعى الإضرار بالعلاقة التي لم ترق لكثيرين، على رأسهم السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس.
سياسيا، يعتبر الحادث برهانا كافيا على صدق الخطاب السياسي للحركة الموجّه نحو مصر، وتحديداً فيما يتعلق بحرصها على الأمن القومي للجمهورية، وأنها تملك توجًها حقيقياً نحو تعزيز العلاقة والتعاون معها، بما يخدم هدف تخفيف الحصار الإسرائيلي، عبر بوابة معبر رفح البري.
في الإطار، لا يمكن تجاهل حالة التعاطف الشعبي مع الشهيد الجعفري، بما يعكس وجود حالة تناغم وإجماع وطني وشعبي واسع على رفض أن تكون غزة بوابة للإضرار بدول الجوار؛ لما يمكن أن يتركه ذلك من ارتدادات وآثار أمنية وسياسية على غزة.
على الجانب الآخر، لم يكن هناك عرفان جميل لهذا الجهد الميداني. بدا ذلك في صور معاناة العائدين إلى قطاع غزة، الذين جرى احتجازهم جميعا في العراء لساعات طويلة على معبر رفح، بشكل استدعى الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة إلى القول عبر صفحته في فيسبوك: "عيب مهين يا مصر، افتحوا المعبر فوراً، وإلا فإن التنظيمات الفلسطينية التي تزور مصر واهمة، ووقعت في شرك الوعود".
تزامن ذلك مع منع السلطات المصرية دخول قافلة جزائرية إلى قطاع غزة، محمّلة بالمساعدات الإنسانية، واضطرت القائمين عليها إلى العودة بالقافلة كاملة من حيث أتت، بعد انتظارها ثلاثة أيام على المعبر. ويبرز هنا تصريح الشيخ يحيى صاري رئيس الوفد الجزائري، حين قال لـ "الرسالة" "إن المخابرات المصرية أبلغتنا بأن المساعدات تحتاج إلى رخصة دخول"!
وقد اعتبر الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني أن منع القافلة الجزائرية "أصاب أكثر المتفائلين من التفاهمات بخيبة أمل، وخصوصا بعد حادثة رفح".
كما ينبغي الإشارة إلى أن الفعل المصري تزامن مع الذكرى الثانية لاختطاف الشبان الفلسطينيين الأربعة، في أغسطس 2015، الذي يبقى ملفا مفتوحا، واختبارا حقيقيا على تحسّن العلاقة بين غزة والقاهرة، في ظل تواصل مناشدات ذوي الشبان، بالإفراج عنهم.
هذه التناقضات تطرح مخاوف بأن تكون الوعود بفتح معبر رفح بعد عيد الأضحى المقبل، بعيدة عن الحقيقية، وتقتل التفاؤل لدى الفلسطينيين في غزة بإمكانية أن تنجح لجنة التكافل الوطنية -التي عاد وفدها الخميس الماضي إلى قطاع غزة-في إحداث ثغرة في جدار الحصار.