لم يتردد رياض المالكي وزير الخارجية والمغتربين في حكومة رام الله، بالإقرار بفشل خيار المفاوضات الذي حملته السلطة الفلسطينية على ظهرها، منذ توقيع اتفاقية أوسلو مع الاحتلال "الإسرائيلي" قبل 24 عاماً.
وبحالة من الإحباط، يقر المالكي لدى لقائه وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط اليستر بيرت، في رام الله الثلاثاء الماضي، بالقول "إننا أقنعنا المجتمع الدولي بأن الطريق الأفضل للوصول إلى الدولة هي المفاوضات، ولكن بعد 24 عامًا من المفاوضات لم نصل إلى شيء".
واستعرض بدون خجل أبرز الإخفاقات التي منيت بها القضية الفلسطينية بعد مشوار المفاوضات الطويل، والتي كان أولها مصادرة وتخريب الأراضي التي صنفتها أوسلو على أنها فلسطينية، وفقدان السيطرة على ما يزيد من 62% منها في الضفة المحتلة.
ولم تستطع أوسلو والمفاوضات بعد إقرار المالكي، أن توقف إسرائيل عن سياسة تخريب سياسات العقاب الجماعي والقتل خارج القانون، والتوقف عن تبني قرارات عنصرية من شأنها أن تلحق الضرر بالمنطقة والعالم، خاصة تلك المتعلقة بالشعب الفلسطيني ومقدراته.
وعلى الصعيد الاجتماعي، وبسحب المالكي، دمرت سياسة المفاوضات الآثار الاجتماعية في الضفة القدس المحتلتين، بعد أن عجزت عن الوصول إلى حل لجدار الفصل العنصري، واستعرض الضرر الكبير الذي ألحقه بالأسر والعوائل الفلسطينية دون توفير أي تعويض لهم.
أم الكوارث
تعقيباً على الاعترافات التي أقر بها المالكي، يصف المحلل السياسي د. جمال عمرو، اتفاقية أوسلو التي فتحت الطريق لخيار المفاوضات بــ "أم الكوارث"، لما ألم بالقضية الفلسطينية من مصائب بعد إبرامها.
ويقارن عمرو القضية الفلسطينية قبل وبعد أوسلو، بحيث كانت المرحلة التي سبقت توقيع الاتفاقية تؤرق "إسرائيل"، لأن واقع ومستقبل فلسطين كان يقع في يد الشعب والشباب الفلسطيني، وتلقت حينها دعماً منقطع النظير من كل أحرار العالم، الأمر الذي كان يلجم "إسرائيل"، عن الاستفحال في سياساتها التهويدية والقمعية.
أما بعد توقيع الاتفاقية التي كانت نتاج المكر والدهاء "الإسرائيلي" وتخاذل رئيس السلطة محمود عباس آنذاك، فقد استطاعت (إسرائيل) أن تمرر جميع مخططاتها بعد أن أخمدت نار الانتفاضة الأولى، وبدأت السلطة المتساوقة مع الاحتلال بلجم الهبة الشعبية الفلسطينية وجلبت الاعترافات الدولية لتصبح ممثلاً وحيداً عن الشارع الفلسطيني.
ويستعرض عمرو في حديثه مع "الرسالة نت" النفوذ الفلسطيني على الأرض، بعد 24 عاماً من المفاوضات، بحيث كانت "إسرائيل" تخشى الهبات الشعبية حين كانت تريد إقرار بناء مستوطنة جديدة، إلا أن صمت السلطة، وإضعافها خيارات المقاومة، جعل الاستيطان يتضاعف ثلاثة أضعاف قبل أوسلو.
ومع صعود محمود عباس إلى قيادة السلطة بعد سابقه عرفات، يرى عمرو أن القضية الفلسطينية عاشت مزيداً من الانتكاسات، بعد أن كان الأخير يميل إلى خيار المقاومة المسلحة حين تسد في وجهه الطرق، إلا أن عباس أعاد وأحيا اتفاقية أوسلو، والتنسيق الأمني، وجفف منابع المقاومة في الضفة المحتلة، ما جعل الأراضي الفلسطينية في الضفة المحتلة والقدس فريسة سهلة "للاستيطان الإسرائيلي".
وعن الخروج من الأزمة، لا يتفاءل المحلل السياسي بأي بوادر تلوح في الأفق، بعد إصرار عباس على السعي إلى خيار حل الدولتين رغم علمه أن "إسرائيل" لا يمكنها القبول به، مستندةً على تخاذل الدول العربية والمجتمع الدولي، مبيناً أن عباس ومن حوله يحققون مكاسب شخصية كبيرة ما يبرر صمتهم أمام توحش الاحتلال.
لا توجد خيارات
وبحسب المحلل السياسي عبد الستار قاسم، فإن القضية الفلسطينية قد تدهورت بشكلٍ خطير، بعد أن تبنت السلطة خيار المفاوضات قبل 24 عاماً، واستطاعت (إسرائيل) والسلطة من خلال توقيع اتفاقية أوسلو، أن تشغل الشعب الفلسطيني بالهموم الخاصة على حساب الأمن الوطني، وحولت الاهتمامات من وطنية إلى شخصية.
وبعد التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية رياض المالكي، يؤكد قاسم على أنه لا يوجد خيارات لسلطة رام الله سوى الاستمرار في نهج المفاوض "الذي أثبت فشله بحسب الوزير، نظراً لعدم سعي رئيسها محمود عباس إلى أي بدائل واقعية وتفرده بالمصير الفلسطيني وتعاونه مع (إسرائيل) في تمرير مخططاتها.
وطالب المحلل السياسي بحديثه مع "الرسالة نت" حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بمضاعفة الجهود والعمل على نقل تجربة المقاومة المسلحة من قطاع غزة إلى الضفة المحتلة، كونها الخيار الوحيد الذي يمكن أن يخرج الحالة الفلسطينية البائسة من غطرسة الاحتلال "الإسرائيلي" وسلطة محمود عباس.