يضبط رئيس السلطة محمود عباس سمفونيته بالتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، فيبدو كالحمل الوديع يتودد ويستجدي استئناف التنسيق الأمني وإعادة العلاقات الحميمة مع الاحتلال بعد إعلانه وقطعها قبل حوالي شهر، في المقابل يلوح بالعصا الغليظة ويهدد ويتوعد بإجراءات قاسية ضد قطاع غزة.
حالة التناقض الكبيرة التي يُبديها عباس في تعامله مع العدو وشعبه، تُدلل على الحالة المزرية التي وصل لها الرجل الثمانيني في سابقة لم تعد مستغربة على من قدّس في أحد الأيام التنسيق والتعاون الأمني ضد المقاومين في الضفة.
وكان رئيس السلطة محمود عباس قال خلال لقاء وفد حزب "ميرتس" اليساري الصهيوني إنه عرض على (إسرائيل) إعادة التنسيق الأمني معها؛ لكنه لم يتلقّ جوابًا.
ورفض عباس، بحسب تقرير أوردته صحيفة هآرتس العبرية، توجهاً من زعيمة "ميرتس"، زهافا غلؤون، بالتراجع عن خطوات تقليص المساعدات لغزة باعتبار ذلك عقوبات للسكان أنفسهم. وقال إن السلطة الفلسطينية لن توقف تقليص الميزانيات المخصصة لقطاع غزة، ما لم تقم سلطة "حماس" بإلغاء اللجنة الإدارية التي شكلتها في القطاع، أخيراً، وفق تعبيره.
ويعكس تشبث رئيس السلطة بالتنسيق الأمني، غياب أي خيار سواه في ظل وصول مشروع التسوية السياسية إلى طريق مسدود، مما يجعل الرجل يتمسك في آخر حبال قد يضمن له البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة.
محض تضليل
ويُشكك الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن في أن تكون السلطة قد أوقفت التنسيق الأمني بالأيام الماضية، مبينًا أن الإعلان عن وقفه خلال أحداث الأقصى محاولة لكسب الوقت وتوظيف الأحداث لخدمته وتعزيز مكانة السلطة أمام الجمهور الفلسطيني.
ويضيف محيسن في حديثه لـ"الرسالة نت" أن ادعاءات الرئيس أبو مازن وقف التنسيق الأمني كان محض تضليل، مشيرًا إلى أنه لا يستطيع وقفه باعتباره يمثل جوهر عملية التسوية السلمية التي يخشى عليها.
ويوضح أن عباس أراد من خلال طلبه التأكيد بأنه ما زال يملك من الأوراق ما يكفي للقيام بواجباته اتجاه حلفائه في الإقليم والمنطقة ككل وتحديدًا "إسرائيل".
ويشير محيسن إلى أن رئيس السلطة يعتبر تهديده لغزة نوعًا من الإجراء الطبيعي على اعتبار أن القطاع خارج عن الصف الوطني وفق رؤيته، ويبرئ نفسه بالقيام بالإجراءات العقابية ضد غزة كي يعيدها إلى "جادة الصواب" وهذا تضليل للشارع الفلسطيني والعالمي.
تسجيل نقاط
ويعتقد الكاتب والمختص في الشؤون الإسرائيلية د. عدنان أبو عامر أن حديث عباس جاء من باب الضغط لاستئناف التنسيق، ومحاولة لتسجيل نقاط داخل الساحة الإسرائيلية وخاصة أمام حزب المعارضة.
ويستغرب أبو عامر في حديثه لـ"الرسالة نت" من طلب عباس استئناف التنسيق ورفض إسرائيل له، لا سيما وأنه يعتبر من أحد أهداف وأغراض الأخيرة في العلاقة بينها وبين السلطة.
ويعتبر التنسيق الأمني أحد بنود اتفاق "أوسلو"، الموقع بين منظمة التحرير وتل أبيب عام 1993، وينص على تبادل المعلومات بين أجهزة الأمن الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي.
يذكر أن تصريحات متكررة تصدر عن مسؤولين إسرائيليين تؤكد أن "السلطة قائمة فقط بفضل اتفاق أوسلو الذي يعتبر التعاون الأمني من أهم ركائزه، وأن السلطة الفلسطينية ستتبخر ولن يكون هناك قاعدة لوجودها طالما أنها ستعلن عن عدم التقيد بهذه الاتفاقيات".