راجت تجارة توزيع الكهرباء عبر مولدات خاصة خلال الأشهر القليلة الماضية في محافظات قطاع غزة؛ مع دخول أزمة الكهرباء مرحلة غير مسبوقة بانقطاعها لنحو 20 ساعة متواصلة، الأمر الذي يساهم بتخفيف حدة الأزمة، غير أن الاستثمار في هذا المجال فتح الباب واسعاً أمام استغلال حاجة الغزيين للتيار الكهربائي لاسيما أن أسعار خدمة المولدات مرتفعة مقارنةً مع تكلفتها.
ويقوم عمل مولدات التوزيع على شراء أحد المواطنين أو المستثمرين، أو مجموعة من المساهمين لمولد كهربائي كبير، ومن ثم يتم العمل على إنشاء تمديدات كهرباء في الشوارع، لإيصال الكهرباء لمنازل المواطنين، مقابل مبالغ مالية عالية، تصل في بعض الأحيان إلى ثمانية أضعاف ثمن الكهرباء التي توزعها شركة توزيع الكهرباء.
وارتفعت أسعار كيلو الكهرباء الذي يباع عبر هذه المولدات ما بين 4 - 5 شيكل بعد أن كانت 2.5 شيكل، مما دفع "الرسالة" إلى البحث في أسباب ارتفاع الأسعار، ومدى متابعة الجهات الحكومية والمسؤولة لعملها، وكيف تتربح حكومة رامي الحمد الله من بقاء الأزمة، وكذلك تأثير دخول السولار المصري إلى غزة على أسعار الكهرباء وتكلفتها.
صاحب مولد: تكلفة كيلو الكهرباء لدينا 2.3 شيكل ونبيعها بـ 3.5 شيكل
ويحتاج قطاع غزة إلى نحو 500 ميغاواط من الكهرباء، يتوفر منها 210 ميغاواط فقط، حيث يتم توريد 120 منها من جانب الاحتلال، و30 ميغاواط من مصر، والبقية تنتجها محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة.
الدافع أزمة الكهرباء
محمد ناهض يعمل حلاقاً في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، يضطر يومياً لوضع 6 شواكل في علبة خصصها لدفع استحقاقات كهرباء المولدات، في ظل انقطاع الكهرباء الواردة من خطوط شركة توزيع الكهرباء إلى أكثر من 20 ساعة يومياً.
وفي حسبة سريعة فإن الحلاق محمد يدفع شهرياً ما لا يقل عن 180 شيكلاً لصالح مولد الكهرباء الخاص، إضافة إلى فاتورة كهرباء الشركة، مما زاد من أعباء العمل، وقلل هامش الربح لديه، لصالح المستثمرين.
"الرسالة" زارت منزلاً مكوناً من 6 شقق سكنية، ولكل منها اشتراك لدى أحد المولدات القريبة، وفي السؤال عن فاتورة هذه الاشتراكات، قال أحمد خليل: "إن ما تدفعه العائلة كل شهر يتجاوز الـ 1000 شيكل شهرياً".
هذه المبالغ الجديدة التي أضيفت على كاهل المواطنين وأرباب العمل في قطاع غزة الذي يعاني من ظروف اقتصادية صعبة منذ فرض الحصار الإسرائيلي قبل 11 عاماً، تستدعي السؤال عن هامش الربح الذي يحققه أصحاب المولدات، وهل الأسعار التي يفرضونها على المواطنين مستحقة؟ وما هو دور الجهات الحكومية تجاه ضبط هذا الأمر؟
وزارة المالية: لا نفرض أي ضرائب على المولدات ولا علاقة لنا بأسعار بيعها
وخلال جولة ميدانية في محافظتي غزة ورفح زار معد التحقيق عددا من مشاريع المولدات، فالتقى في غزة أيمن الشاعر صاحب أحد المولدات الذي قال: "إن تكلفة كيلو الكهرباء لديهم تتراوح بين 2.3 إلى 2.5 شيكلاً، ويباع للمواطن بـ 3.5 شيكلاً، وهو سعر لم نجده في غالبية المناطق التي تجولت فيها "الرسالة".
ويعزو الشاعر هذا الفارق والذي يبلغ شيكلاً على كيلو كهرباء إلى تكلفة الصيانة وأجرة الفنيين العاملين لدى صاحب المولد، متجنباً الإفصاح عن كمية الكهرباء التي يبيعها شهرياً، والتي تظهر المكاسب التي تعود عليه، مما يضع علامة استفهام حول مدى تأثير تكلفة الصيانة والأجرة على هامش الربح الذي يصفى لصاحب المولد!
ويفرض أصحاب المولدات على المشتركين استهلاكا شهريا لا يقل عن 50 شيكلاً، أي 12 كيلو وات كهرباء، سواء جرى استهلاك الكهرباء بما يساوي هذا المبلغ أم لم يتم استهلاكها، وذلك سعياً لجني أكبر قدر من الأرباح.
وخلال جولة "الرسالة" تبين لمعد التحقيق أن بعض أصحاب المولدات يرفضون تمديد خطوط اشتراك لمواطنين فكوا ارتباطهم بمولد سابق إلا بموافقة مالكه، وهذه من ضمن الشكاوى التي وصلت "الرسالة" خلال جولة البحث والتحري.
ويقول ياسر جودة صاحب أحد محلات الملابس في مدينة رفح إنه أوقف اشتراكه لدى مولد رئيسي في منطقة البلد وسط رفح، إلا أنه تفاجأ حينما حاول الاشتراك في مولد آخر أن صاحبه رفض ذلك إلا بموافقة صاحب المولد الذي كان مشتركاً فيه.
حكومة الحمد الله تتربح
من جهتها، اتهمت سلطة الطاقة في غزة، حكومة رامي الحمد الله بـ "التربح" من أزمة الكهرباء التي تضرب القطاع عبر "إجبار المواطنين على شراء الوقود لتشغيل المولدات البديلة".
الاقتصاد: أحلنا ملف مولدات الكهرباء لسلطتي الطاقة والبيئة
وقالت في بيان لها نشر قبل عدة أسابيع: إن "توقف محطة الكهرباء عن العمل أدى لتقليص برنامج الكهرباء لتصل فترات القطع لما يزيد عن 12 ساعة، وهو ما يدفع الكثير من المواطنين والجهات الأخرى لبدائل الطاقة كالمولدات الخاصة، والتي تشتري الوقود بكامل الضرائب المفروضة عليه".
وأشارت إلى أن كميات الوقود الموردة لمحطات السيارات والمولدات بغزة بلغت حوالي 157 مليون لتر في عام 2016، منها حوالي 110 مليون لتر لمولدات الكهرباء الخاصة بالمواطنين.
وأكدت أن بيع هذه الكميات من الوقود "حقق عوائد ضريبية كبيرة لحكومة الحمد الله بقيمة 455 مليون شيكل (130 مليون دولار)؛ منها 318 مليون شيكل (90.8 مليون دولار) من عوائد مولدات الكهرباء".
وأضاف البيان: "الحكومة برام الله تستفيد من توقف محطة الكهرباء في غزة، من خلال توجيه كميات الوقود بدلاً منها إلى السوق المحلي سواءً لمحطات السيارات أو مولدات الكهرباء، وذلك بعوائد ضريبية خيالية".
المتابعة غائبة
وفي الأثناء، أكد رائد الجزار، مدير عام دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد بغزة لـ "الرسالة" أن دائرته لم تتابع عمل هذه المولدات كون عملها يقتصر على متابعة المواد الغذائية.
وأوضح الجزار أنه تم إحالة ملف متابعة المولدات المنتشرة في أحياء قطاع غزة إلى سلطتي البيئة والطاقة؛ بصفتها المسؤولة عن ذلك من وجهة نظره، مشيرا إلى أن العاملين في دائرة حماية المستهلك هم من مهندسي صناعات غذائية.
أما وزارة المالية بغزة فقد أكدت أن لا علاقة لها بعمل المولدات، سواء بفرض ضرائب على المولد نفسه أو صاحبه، وفقا لما أكده رائد رجب مدير عام الجمارك والمكوس في وزارة المالية.
وقال رجب في حديث لـ"الرسالة": "إن الوزارة لا تتدخل في عمل أصحاب مولدات الكهرباء في غزة، وأن الوزارة لا تحدد أسعار بيع الكهرباء للمواطنين، ولا تفرض أي ضرائب أو رقابة على عملهم".
إعداد نظام عمل
وبما أن ملف متابعة عمل المولدات انتقل إلى لجنة مختصة مكونة من سلطتي جودة البيئة والطاقة وجهاز الدفاع المدني ووزارة الاقتصاد، وبرئاسة الأخيرة، وليس كما تحدث الجزار بأنه تم إحالة الملف بالكامل إلى السلطتين سابقتي الذكر، التقى معد التحقيق بالمهندس أنور عطا الله مدير عام دائرة المشاريع والعلاقات الدولية في سلطة جودة البيئة، والذي كشف أن اللجنة أنجزت 90% من نظام جديد سيطبق على عمل المولدات في قطاع غزة.
الطاقة: حكومة الحمد الله تتربح من وراء أزمة الكهرباء وتشغيل المولدات
وأوضح أن اللجنة شكلت قبل شهرين فقط، وعقدت أربع اجتماعات رسمية، برئاسة وزارة الاقتصاد، بينما تمكنت من إعداد نظام خاص بعمل المولدات، سينجز إعداده بالكامل بعد أسبوعين بحد أقصى.
وأشار إلى أن سعر كيلو الكهرباء من المولدات سيحدد وفقاً لعدة معايير أهمها سعر الوقود، وقدرة المولد، بينما ستحال مسألة تحديد مكان وضع المولد لجهاز الدفاع المدني، أما التمديدات الخاصة بالمولدات ستتابعها سلطة الطاقة.
وبيّن أن المولدات تعمل حالياً بشكل عشوائي، ونظام لا يرضي أي جهة حكومية، وغير خاضع لأي متابعة دقيقة، سوى من بعض النشاطات المتفرقة لمؤسسات حكومية، مؤكدا أن تشكيل اللجنة جاء بعد أن أصبحت قضية المولدات ظاهرة اقتصادية بغزة.
العاملون غير مختصين
وخلال جولة "الرسالة" والتعرف على العاملين في هذا المجال، تبين أن غالبية العاملين غير مختصين في العمل الكهربائي، بل دخلاء على المهنة بهدف التربح، وهذا ما أكده محمد ثابت مدير العلاقات العامة والإعلام بشركة توزيع كهرباء محافظات غزة.
وقال ثابت في حديث لـ"الرسالة": "إن العاملين في المولدات الخاصة غير مختصين في مجال الكهرباء، مما قد يتسبب بكوارث لا يحمد عقباها في حال لم يتم متابعة عملهم خلال المرحلة المقبلة من قبل الجهات المختصة".
خبير اقتصادي: ارتفاع أسعار بيع كهرباء المولدات يؤكد استغلال الأزمة
وأشار إلى أن التمديدات الكهربائية الخاصة بالمولدات تتم على شبكات شركة توزيع الكهرباء؛ ما تسبب بحرائق، وإصابات للفنيين العاملين في الشركة؛ بسبب مشاكل في التمديدات وأخطاء فنية يقع فيها أصحاب المولدات.
وبيّن أن الشركة تزيل التمديدات الموضوعة على شبكات الشركة بشكل فوري في حال الكشف عنها، وكذلك ترفع قضايا ضد أصحاب التمديدات لدى النيابة العامة، مؤكدا أن غالبية المولدات تستخدم شبكات الكهرباء والاتصالات في التمديدات بين المنازل.
وشدد على أن التمديدات الخاصة بالمولدات غير مطابقة لمعايير السلامة والأمان المعمول بها في تمديدات الكهرباء الكبيرة بحجم تلك المستخدمة في المولدات، مشيرا إلى وجود عدد قليل جداً من أصحاب المولدات ينشؤون خطوط توصيل منفصلة عن خطوط شركة الكهرباء وشبكتها.
نظام العمل
ويتم التحاسب بين صاحب المولد والمشترك على نظامين، أولهما يعرف بنظام الأمبير والنظام الآخر هو التحاسب بالكيلو، إلا أن النظام الأخير هو الذي بات الأكثر شيوعاً في قطاع غزة؛ نظراً للمرابح الأكبر لصالح صاحب المولد.
وبنظام الأمبير يقوم صاحب المولد بتمديد خط إلى المشترك مع دفع الأخير لتكاليف التمديد من أقرب نقطة ويتم وضع أمان كهرباء بحسب الأحمال التي يطلبها المشترك بحيث تفصل مباشرةً في حال تجاوزها خلال عمل المولد.
شركة الكهرباء: العاملون في المولدات ليسوا مختصين والتمديدات غير سليمة
ويبلغ سعر تكلفة الأمبير الواحد 60 شيكل شهرياً، فيما يلزم أي منزل ما لا يقل عن 2 أمبير كي يستطيع تشغيل الأجهزة الكهربية البسيطة كالمروحة والتلفزيون والإنارة، بينما يحتاج كما أكبر من ذلك في حال رغبته بتشغيل الثلاجة والغسالة.
ويتحكم صاحب المولد في ساعات عمله إلا أنها لا تقل عن 8 ساعات يومياً، وهذا ما يعيب نظام الأمبير في مقابل نظام الكيلو فإن صاحب المولد يشغله أكبر قدر ممكن نظراً لأن التحاسب بقدر ما يستهلك المشترك، فتوافر الكهرباء على مدار ساعات انقطاعها من الشركة يشجع المشترك على تشغيل خط المولد، وتشغيل الأجهزة الكهربائية بأنواعها؛ نظراً إلى عدم وجود حد لكمية سحب الكهرباء أو حجمها كما في نظام الأمبير.
أسعار مرتفعة
ويقول الخبير الاقتصادي ماهر الطباع: "إن المولدات ذات الإنتاج العالي في الأحياء تقدم بديلاً جيداً للمواطنين"، مستدركا بأن أسعار بيع الكهرباء للمواطنين مرتفعة، وفيها استغلال لحاجة المواطنين للكهرباء في ظل تفاقم الأزمة.
سلطة البيئة: إقرار نظام عمل المولدات بعد أسبوعين كحد أقصى
ويؤكد أن حكومة الحمد الله تستفيد من توسع عمل هذه المولدات من خلال استهلاك كميات كبيرة من السولار، فيما تأخذ الحكومة على كل لتر وقود مورد إلى غزة 3 شيكل بين ضريبة بلو وضريبة مضافة.
ويطرح الخبير الاقتصادي تساؤلات متعددة عن أسعار بيع الكهرباء، يتقدمها: من الجهة التي حددت هذا السعر ؟!، وعلى أي أساس تم وضعه ؟!، وأين رقابة وزارتي المالية والاقتصاد على عمل هذه المولدات التي باتت عشوائية في مناطق قطاع غزة؟!.
وكما أن دخول السولار المصري عبر معبر رفح البري جنوب قطاع غزة طيلة الأسابيع الماضية لم يؤثر على أسعار بيع الكهرباء للمواطنين رغم وجود فرق شيكل واحد لكل لتر مقارنةً بالسولار الإسرائيلي، إذ أن المولدات تستهلك مئات الليترات يومياً، ما يعني وجود فرق حقيقي لصالح أصحاب المولدات.
وفي نهاية المطاف، يبدو واضحاً أن ملف مولدات التوزيع بحاجة إلى متابعة حكومية، وهنا تدعو الرسالة إلى تشكيل لجنة متابعة من قبل سلطات البيئة والطاقة والاقتصاد والمالية، لمنع استغلال المواطنين الذين يرغمون على شراء الكهرباء بهذه الأسعار العالية؛ للتخفيف من أزمة الكهرباء لديهم.